- التصدر المبكر
قال الشّيخ الإمام القاضي أبو الطّيب الطّبري
من تصدّر قبلَ أوانِه فقد تصدّى لهوانِه
حياة_الحيوان_الكُبرى ج 2 ص 381
مازلت عصفورا فلا تسابق النسور
كثير من الشباب يتصدرون للدعوة والافتاء مبكرٍاً قبل أن يكتمل بنيانهم علميا وتربويا وهنا مكمن الخطر وهو أن بعض الشباب الذي يتصدرو مبكراً يريدون أن يحافظوا علي مكانتهم في قلوب أتباعهمفاذا حدث خلاف بين هؤلاء الشباب وبعض العلماء في مسألة ما تجد هؤلاء الشباب يبدأو بذم كل من يخالفهم من أهل العلم الثقات نعوذ بالله من العثرات
أعوذ بالله من أناس ** تشيخوا قبل أن يشيخوا
احدودبوا وانحنوا رياء ** فاحذرهم إنهم فخوخ
روى عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – انه قال : "ألا وإن الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم ولم يقم الصغير على الكبير، فإذا قام الصغير على الكبير فقد هلكوا "
وقال الشاعر:
متى يصل العطاش إلى ارتواء *** إذا استقت البحار من الركايا
ومن يثني الأصاغر عن مرادٍ *** إذا جلس الأكابر في الزوايا
وإنّ ترفّع الوضعاء يوماً *** على الرفعـاء من إحدى الرزايا
إذا استـوت الأسافل والأعالي *** فقد طـابت منادمة المنايا
لقد حرم الشاب المتصدر مبكرا بركة القرب من كبار العلماء لان البركة مع الاكابر قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم" البركة مع أكابركم"(1) وذلك لأنه ساوى رأسه برأسهم اعتمادا على بعض الكتب التي قرأها وثقة في بعض المسائل التي حفظها والتي سرعان ما تتبخر وتطير من رأسه لسوء نيته وقبح سريرته فيصبح كالبحر الناضب أو كالجنة التي أصبحت قاعاً صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا
قال مجمع بن محمد بن أحمد العجلي:
ألم تر أن البحر إن لم يمده ... مواصلة الأنهار أو شك ينضب
وبالشمس في الدنيا إلى البدر حاجة ... ليخلفها في نورها حين تغرب(2)
**************************
1-صحيح الجامع الصغير ج1ص558حديث رقم2884
2- التدوين في أخبار قزوين - (ج 2 / ص 16)
لقد اصبح بعض الشباب لايفتحون الكتب الا للرد والنقد ودخل الشيطان عليهم من هذا الباب فاصبح جل هم الشاب منهم الرد علي العالم فلاني وتسفيه رأى العالم فلاني بدعوى أنه يريد أن ينصر الاسلام وفي الحقيقة هو لا يريد إلا أن يصرف وجوه الناس اليه وإن زعم غير ذلك إلا أن الواقع يشهد بذلك فبئس الشباب ذلك الشباب الذين يستخدمو العلم لغير رضا الله
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (لا تعلموا العلم لثلاث: لتماروا به السفهاء، وتجادلوا به العلماء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم ما عند الله، فإنه يدوم ويبقى، وينفذ ما سواه)
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار"
والتصدر المبكر يحرم صاحبه من تعلم أدب العلماء ونقاء الأولياء وخشية الاتقياء وفطنة الحكماء كما يبتلي المتصدر مبكرا بعدة آفات لعلل أعظمها بعد سب العلماء التسرع في الفتوي
لقد حرم المتصدر مبكرا من تعلم ادب الفتوي والتي منها التأني وعدم الاستعجال في الحكم وذلك لانه لم يطلع جيدا علي سير السلف الصالح الذين كانوا لا يتجرأون علي الفتوى مخافة أن يخالفوا مراد الله تعالى
كان ملكداد بن إلياس القزويني
إذا أراد أن يكتب الفتوى استخار الله تعالى وقرأ آيات من القرآن ودعا وسأل الاجابة(1)
هذا هو حال السلف أما اليوم فحدث عن التسرع في الفتوى ولا حرج فقبل أن تكمل السؤال تجد الاجابة جاهزة في مسائل لو طرحت علي عمر بن الخطاب لجمع لها شيوخ المدينة
قال ابن الصلاح : ثبت عن سهل بن عبد الله التستري : وكان أحد الصالحين أنه قال : من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء عليهم السلام فلينظر إلى مجالس العلماء يجيء الرجل فيقول : يا فلان إيش تقول في رجل حلف : على امرأته بكذا وكذا فيقول : طلقت امرأته ، وهذا مقام الأنبياء فاعرفوا لهم ذلك ولما ذكرناه هاب الفتيا من هابها من أكابر العلماء العاملين وأفاضل السالفين والخالفين وكان أحدهم لا يمنعه شهرته بالإمامة واضطلاعه بمعرفة المعضلات في اعتقاد من يسأله من العامة من أن يدافع بالجواب أو يقول : لا أدري أو يؤخر الجواب إلى حين يدري(2)
**************************
1- التدوين في أخبار قزوين - (ج 2 / ص 30)
2- أدب المفتي والمستفتي ص 74 ، وفتاوى ابن الصلاح ص 8
فلا تتسرع في الفتوي فقد تكون الفتوى وبالاً عليك وأنت لا تدري
قال محمد المنكدر : إن العالم يدخل فيما بين الله وبين عباده فليطلب لنفسه المخرج (1)
واعلم أن الجاهل بمقام الله هو الذي يتعجل بالفتوي بلا أدن خوف أو ورع
عن ابن وهب قال : سمعت مالكاً يقول : العجلة في الفتوى نوع من الجهل والخرق ، وكان يقال : التأني من الله والعجلة من الشيطان (2) وما عجل امرؤ فأصاب واتأد آخر فأخطأ إلا كان الذي اتأد أصوب رأياً ولا عجل امرؤ فأخطأ واتأد آخر فأخطأ إلا كان الذي اتأد أيسر خطأ (3)
فاقتدي أيها الشاب بالسلف الأطهار وبالصحابة الأبرار فقد كانوا مع علمهم وفضلهم لا يتسرعون في الفتوي بل كانوا يهربون منها
قال ابن القيم رحمه الله : ( وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياه غيره ، فإذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى(4)
بل حتي أفضل البشر بعد الرسل -عليهم السلام - أبوبكر وعمر رضى الله عنهما فمع جلالة قدرهم وعلو شأنهم كانا لا يتسرعان في الفتوى جاء في قواعد التحديث
(وكذلك كان الشيخان : أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إذا لم يكن لهما علم في المسألة يسألان الناس عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحريان في ذلك(5)
وقال أبو حصين الأسدي : ( إن أحدكم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر) (6)
قال أبو عثمان الحداد : ومن تأنى وتثبت تهيأ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديهة (7)
**********************
1- أخرجه الدارمي رقم ( 137 ) 1 / 65 ، وأبو نعيم في حلية الأولياء 3 / 153
2- حسنه الألباني في صحيح الجامع رقم ( 3011 )) ،
3-أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى رقم ( 817 ) ص 437
4- أعلام الموقعين 1 / 33
5- قواعد التحديث للقاسمي ص324
6- أخرجه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى رقم ( 803 ) ص 434) .
7- أخرجه ابن عبد البر في جامع العلم وفضله رقم ( 2221 ) 2 / 1128) .
إرسال تعليق