2- نكران الجميل
قال الطحاوي رحمه الله تعالى في "عقيدته" (2/ 740):
"وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين - أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر - لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء، فهو على غير السبيل"؛ اهـ.
اعلم أخي أن نكران الجميل صفة من الصفات التي أبت الكلاب وهى من أخس الحيوانات أن تتصف بها فالكلاب موصوفة بالوفاء ولكن للأسف هناك من البشر من هو أخس في صفاته من الكلاب فهناك من ينكر الجميل ويجحد فضل المحسنين خاصة فضل الدعاة المصلحين فلا يرى للعلماء عليه فضل ولا منة وكيف يرى ذلك وهو لا ينظر إليهم إلا بعيون ساخطة وقلوب حاقدة تغفل عن الحسنات وتنقب عن الهفوات و السيئات
قال الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساوىء
وقال أبوفراس :
بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ... ومن أين للحر الكريم صحاب
وقد صار هذا الناس الا أقلهم ... ذئابا على أجسادهن ثياب
الى الله أشكو بثنا فى منازل ... تحكم فى اجسادهن كلاب
فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترضى والانام غضاب
وليت الذى بينى وبينك عامر ... وبينى وبين العالمين خراب (1)
ويرحم الله أبا إسحاق التلمساني صاحب الرجز في الفرائض حيث يقول
الغدر في الناس شيمة سلفت ** قد طال بين الورى تصرفها
ما كل من قد سرت له نعم ** منك يرى قدرها ويعرفها
بل ربما أعقب الجزاء بها ** مضرة عز عنك مصرفها
أما ترى الشمس كيف تعطف بالنور ** على البدر وهو يكسفها (2)
لاشك في أنه من صفات الصالحين المنصفين عدم نكران الجميل و نسبة الخير لمن أحسن اليهم فالاعتراف بالجميل من شيم الكرام ونكران الجميل من شيم اللئام وقد نهانا الله عزوجل عن نكران الجميل وكفرالمعروف قال تعالى (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)وقال رسول صلى الله عليه وسلم : (( من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى عليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه) (3) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن فإن مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور))(4) وقديما قيل : إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
**********************
1- المنتظم - (ج 7 / ص 71)
2- نفح الطيب
3- صحيح الترغيب والترهيب(
4- صحيح، رواه الترمذي وأبو داود
فينبغى على طلبة العلم أن يحفظوا الجميل لمن علمهم وأن يثنوا على من له الفضل عليهم
قال الخلال خرج أبو بكر المرزوي إلى العدو فشيعه الناس إلى سامرا فجعل يردهم ولا يرجعون فحزروا فإذا هم بسامرا سوى من رجع نحو خمسين ألف إنسان فقيل يا أبا بكر احمد الله فهذا علم قد نشر لك فبكى ثم قال ليس هذا علم لي أنما هذا علم أحمد بن حنبل(1) فانظر إلى وفاء المرزوي لشيخه بن حنبل
وقال العباس بن محمد الدورى قال سمعت ابا عبيد يقول من شكر العلم ان يستفيد الشىء فاذا ذكر لك قلت لم يكن لى به علم حتى افادنى فلان كذا وكذا فهذا شكر العلم(2)
فكن وفيا فالوفاء لمن له الفضل عليك صفة من صفات الصالحين المنصفين
والعلماء لهم فضل كبيرعلينا وعلي الأمة فقد بينوا لنا الفرائض والسنن ودافعوا عن الامة الاسلامية بعلمهم في وقت المحن فكانو بمثابة حرس حدود للذود عن الإسلام والمسلمين لذلك يجب حفظ جميلهم والدعاء لهم والثناء عليهم حتي وإن اختلفنا مع بعض العلماء في عدة مسائل فينبغي أن لا ننكر فضلهم هذا هو هدي السلف الصالح وانظر ماذا يقول امام اهل السنة أحمد بن حنبل عن شيخه الشافعي رغم اختلافه معه في عدة مسائل شرعية يقول الإمام أحمد بن حنبل ما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أستغفر للشافعي وأدعوا له (3)
انه الوفاء وحفظ الجميل للمعلم رغم الاختلاف في الفروع وذلك لأصالة معدن الإمام بن حنبل وكما قيل (لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولو الفضل)
وقال الإمام الشافعي : (الحر من راعى وداد لحظة) . فتأمل: وداد لحظة لا يُـنسى ، فكيف بوداد أيام وسنوات ؟ بل كيف بإحسان ينفعك في الدنيا وبعد الممات ؟
واعلم أخى أن عاقبة نكران الجميل وخيمة
قال الأصمعي رحمه الله : سمعت أعرابيًا يقول : أسرع الذنوب عقوبة كفر المعروف.
فيامن تسب العلماء ألا تذكر لهم حسنة ! ألا تذكر فائدة أستفدتها منهم ! إن كنت لا تذكر شيئا فأنا اذكرك بشيء عظيم وهو يسير وهو أن العلماء الذين تختلف معهم وتسبهم ولا تسمع دروسهم وخطبهم إلا للنقد هؤلاء العلماء عندما يذكرون حديث ويقولون قال رسول الله صلي الله عليه وسلم تبادر أنت وتصلى على النبي عليه السلام فتكتب صلاتك في ميزان حسناتك اليس كذلك! سبحان الله العلماء لهم فضل عليك حتي وأنت تخاصمهم وتحاربهم فاتق الله في العلماء ولا تنكر جميلهم عليك وأحسن كم أحسن الله اليك واعرف للعلماء قدرهم فهم ورثة الانبياء
قال سهل التستري : من أراد النظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء فاعرفوا لهم ذلك(4) *******************************
1- المنتظم - (ج 5 / ص 95)
2- المنتظم - (ج 7 / ص 292) بتصريف بسيط
3-موقع وزارة الاوقاف السورية – ترجمة الامام الشافعي
4- المجموع للنووي باب فضيلة الاشتغال بالعلم تصنيفة وتعلمه وتعليمه
فكن وفيا وتعلم من سلفك شكر الجميل وعدم نكرانه روى أن الوزير المهلبى كان قبل وزارته قد سافر مرة ولقى في سفره مشقة شديدة، واشتهى اللحم فلم يقدر عليه، وكان معه رفيق يقال له أبو عبد الله الصوفي، فقال المهلبي ارتجالاً:
ألا موتٌ يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه
إذا أبصرت قبراً من بعيدٍ ... وددت لو انّني ممّا يليه
ألا موت لذيذ الطعم يأتي ... يخلّصني من الموت الكريه
إلاّ رحم المهيمن نفس حرٍّ ... تصدق بالوفاة على أخيه فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحما وطبخه وأطعمه، وتفارقا، وتنقلت الأحوال بالمهلبي وولي الوزارة، وضاقت الأحوال برفيقه الصوفي، فقصده وكتب إليه:
ألا قل للوزير فدته نفسي ... مقال مذكّر ما قد نسيه
أتذكر إذ تقول لضيق عيشٍ ... ألا موت يباع فأشتريه
فلما قرأ الأبيات تذكره، وأمر له في الحال بسبعمائة درهم، ووقع له في رقعته " مَثَلُ الّذينَ يُنفِقُونَ أموالهمْ في سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبّة " البقرة" ثم دعا به وخلع عليه وقلده عملاً يليق به. أرأيتم كيف كان الوزير المهلبي وفي لرجل أطعمه لحماً مرة فيامن تسب العلماء ألا تذكر لهم حسنة ومنة عليك !
ان الوزير المهلبي لم ينسا من غذى جسده مرة بالطعام فما لك تنسي من غذى قلبك بالقرآن و روحك بالايمان ! والحر لا ينسى وداد لحظه وتواضع لمن علمه لفظة
فكن وفيا فإن صفة الوفاء لا يتصف بها إلا الأفذاذ من الرجال
بل حتي الحجاج بن يوسف سفاك الدماء كان موصوفا بالوفاء وكان لا ينكر الجميل
فقد جلس الحجاج يقتل أصحاب عبد الرحمن، فقام إليه رجل منهم فقال: أيها الأمير إن لي عليك حقاً. قال: وماحقك عليّ؟ قال: سبّك عبد الرحمن يوماً فرددت عنك. قال: ومن يعلم ذاك؟ فقال الرجل: أنشد اللّه رجلاً سمع ذاك إلا شهد به. فقام رجل من الأسرى فقال: قد كان ذاك أيها الأمير. فقال: خلّوا عنه. ثم قال للشاهد: فما منعك أن تنكر كما أنكر؟ قال: لقديم بغضي إياك. قال: ويخلّى هذا لصدقه.(1)
أيها الشاب الناكر لجميل العلماء لا يكن الحجاج سفاك الدماء أحسن حالا منك
فان زعمت أيها الناكر للجميل أن العلماء ليس لهم عليك منة أو فضل فقد هضمت حقهم لأن العلماء لهم منة وفضل عليك وعلى الامة أجمع فهم من حفظوا الدين وحاربوا البدع وقمعوا المنحرفين عن الشرع الحنيف فاتق الله في لحوم العلماء الصالحين واحفظ الجميل للعلماء الربانين الذين بذلوا جل وقتهم للدفاع عن الاسلام ونشر العلم والإيمان فكم سهروا الليالى من أجلنا وكم عرضوا أنفسهم للمخاطر من أجل تبليغ الدعوة لنا ولله در القائل
خدمتك في الشباب وها مشيبي ... أكاد أحل منه اليوم رمسا
فراع لحرمتي عهداً قديماً ... وما بالعهد من قدمٍ فينسى(2)
1- عيون الأخبار - (ج 1 / ص 41)
2- فوات الوفيات - (ج 2 / ص 308)
فيامن تسب العلماء و تنكر الفضل و تنسا الوفاء لسانك قد تعفن من جهد البلاء و قلبك قسا من التجرء علي الفضلا فاترك السب في الاخيار واشتغل بالثناء و طهرقلبك من الحقد و الغل و الكبر و الخيلاء و احسن كما احسن الله اليك تكن من الفضلاء
إرسال تعليق