الحارس الخاص لعمر المختار
ابوبكر بوزكري
' آخر من أعدم من المجاهدين '
'بوزكري' مجاهد كبير من قبيلة المنفة .. من أقارب شيخ الشهداء عمر المختار .. كان يرأس حرس المعية ، المكلفون بحماية شيخ الشهداء عمر المختار رحمه الله .
و بعد استشهاد شيخ الشهداء ، وتوقف حركة الجهاد كان بوزكري'.. مطلوبا من قبل الطليان ، وعاش كالشبح متنقلا من مكان إلى آخر .
محاولته الهجرة بحراً :
اقترح عليه إثنان من المجاهدين ، ينتميان إلى قبيلة العبيدات .. كانا صديقين مقربين له .. اقترحا عليه أن يهاجر معهما إلى مصر عن طريق البحر .. رغم علمهما بعدم قدرته على السباحة .. فوافق ' بوزكري' على اقتراحهما ، دونما تردد .. اعتقادا منه أن الهجرة بحرا ، أقل خطرا من الهجرة برا ، مرورا بالأسلاك الشائكة ، التي يصعب اختراقها .
وضعا قربتي هواء تحت إبطيه .. وقالا له استرخ ، بينما نسبح نحن بجانبك ، وانطلقوا من البردي بليبيا .. متجهين إلى السلوم في مصر .
لكن وبعد انطلاقهما بقليل أقلع 'بوزكري' ــ الذي لم يتعود على ركوب البحر ــ عن فكرة الهجرة .. مفضلا الموت في بلاده .. على الموت غرقا .. و ودع رفيقيه قائلا لهما : ' مالي وللبحر .. إذهبا أنتما .. واتركاني هنا '
محاكمة صورية :
بعد هجرة رفقيه ، ظل 'بوزكري' ينتقل متخفيا من مكان إلى آخر .. ويأوي إلى كهف مهجور وحيدا وطريدا .. وضاقت عليه الدنيا بما رحبت .. وعز عليه وجود الزاد والمأوي المناسب .. فأصابه الوهن والهزال ، حتى صار كميت يسير على قدمين .
ولأنه كان يعلم بأن الموت أقرب إليه من أي شيء آخر .. فقد فضل أن يسلم نفسه إلى السلطات الإيطالية ، ليرح نفسه من ضنك العيش ، ومشقة الحياة التي يكابدها .
وبالفعل ذهب إلى حامية طبرق .. ودخل على الحرس بهيئته الرثة ، وثيابه الممزقة ، وشعره الذي غطى وجهه بالكامل .
أثار منظره الرعب في نفوس الحرس فارتبكوا في بداية الأمر .. ثم صوبوا سلاحهم باتجاهه ، وألقوا القبض عليه وكبلوه بالسلاسل .. وشكلوا له محاكمة في الحال محكمة صورية .. أمام مبنى المتصرفية في مدينة طبرق .
وأثناء التحقيق سأله أحد الضابط متهكما : لماذا تحمل بندقية فارغة أيها البطل .. ؟
فأجابه 'بوزكري' بلا تردد : عندما كانت محشوة بالذخيرة .. عجزتم عن مواجهتها .
وفي المحكمة اعترف 'بوزكري' بتهم القتل المنسوبة إليه جميعها ، وسألوه عن بندقيته فقال : غنمها من شاويش قتله في الحطية في وسط طبرق .
تهمة باطلة :
وأثناء المحاكمة ومن باب الإساءة إليه ، اتهموه بالسرقة ، وأتوا بعميل ليبي كشاهد زور على تلك التهمة .. فرد عليهم 'بوزكري' بغضب : أنا لست سارقا .
وكان من بين هيئة المحكمة ، الشيخ عبد الحميد عطية الديباني ، الذي طلب منه 'بوزكري' لكونه شيخاً وعالماً في الدين بأن يخبر الطليان ، بلغتهم التي يجيدها .. عن أيهما أشد جرماً وأشد عقوبة .. القتل أم السرقة..؟
ثم وجه كلامه إلى المحققين قائلا : لقد اعترفت لكم بقتل جميع الضباط ، الذين اتهمتموني بقتلهم .. ولو كنت سارقا لأعترفت لكم بذلك ، لأنها أقل جرما وأخف عقوبة .
وبعدما أنهى كلامه ، نظر إلى شاهد الزور ، نظرة ازدراء وتحقير .. وقال له : إن السارق الحقيقي هو من على شاكلتك .. ألا ترى أنك تلبس أفخر الثياب .. وألبس أنا هذه الأسمال البالية والخرق المتهرئة .. من أين لك بهذا الجرد الحريري ، وهذه الفرملة الفاخرة .
وبعدما نطقت المحكمة بحكم الإعدام ، قال لهم 'بوزكري' : ' هل لي أن أرى الآمر (القائد الايطالي )) .. أريد أن أخصه بخبر هام ' .
وأسرعوا إلى الآمر يخبرونه بذلك .. فأعتقد الآمر أن هذا الخبر الهام ، لا بد وأن يكون مكان تواجد بقية المجاهدين .. فجاء على عجل ، ليعرف مكان تواجدهم ، عله ينال بذلك المكانة التي ينشدها ، والتقدير الذي ينتظره من قادته ومرؤوسيه .
وقف الآمر قبالة 'بوزكري' مباشرة .. وقال له : تريد أن تخصني أنا بالذات بخبر هام .. فما هو هذا الخبر الهام .. ؟
استجمع 'بوزكري' كل ما في فمه من لعاب .. وبصق على وجهه قائلا :
' هذا ما أردت أن أخصك به دون غيرك '
غضب منه الآمر أشد الغضب .. وأمر بشنقه في الحال .. وترك ثلاثة أيام كاملة معلقا على أعواد المشنقة .
حدث ذلك في خريف عام : 1932م .. ولعله بذلك يكون آخر من أعدم شنقا ، من المجاهدين .
أكد الأستاذ / فرج لاغا ، بأنه قابل المترجم الليبي ' بوقعيقيص' الذي حضر تلك المحاكمة ، وتولى بنفسه ترجمة وقائع تلك المحاكمة (1)
أخي الحبيب هكذا تكون العزة حتي في الاسر
أخـــي إننـــا مـــا أسـأنا الظنــون بوعـد الإلـه القوي المتـيــن
ومــا زادنـــا القيــد إلا ثبــاتــاً ومــا زادنـــا السـجن إلايقيـــــن
ومـا زاد تعـذيـــب إخـواننــــا وقتـــل الدعــاة ولــوبالمئـيــــــــن
ســوى رفـــع رايـــة إيمـاننـــا وإظهـــار توحيــد حــقوديـــــــن
سنسقي غراسـك توحيدنــا ببــذل الدمــاء وقطــعالوتـيــــــن
ونُعـلــي لـــــواءك إســلامنــا بـهــام الـرجــال وصبــرمتــيــــــن
لتظهــر رغــم أنـوف الطغــاة وتعلــو وتُنشـر فــيالعـالمـــــــين
ولن ننثني عن جهاد الطغـاة ولن ننحرف عن سبيلالأميـــــن
فمـــادام نــــور الإلـــــه المبـيــن يشــع بأفئــدةالمؤمنــــــــين
فلن نخـذل الحق مهما لقيـنا ولن نضعفــنّ ولـننستكـــــــيـن
ولن ننحرف عــن طريــق الكفـــاح ولـن نتضــرّربـالمرجفـــــيـن
سنمضي على الدرب رغم الجرا ح ورغم الدمـاء ورغمالأنـيـن
لنا أسوةٌ في رجـالٍ مضـوا على الــدرب كانـوا بــهشامخيــــن
فهـذا بـلالٌ مضــى للجنــان ولـم ينـحــرف خشيـةالمشركـيـن
وذاك صهيــبٌ أخــو المتقـيـــن يبيــع الحيــاة لــــيربـح ديـــــــن
******************************************
1- كتاب أبطال وملاحم للأستاذ : فرج مصطفي لاغا
إرسال تعليق