من قاطع طريق لمجاهد عريق
المجاهد الليبي إبراهيم الفيل
المجاهد / إبراهيم عبد السلام الفيل ..: إنه بطل مهيب ، لا يمل المرء من أخباره ، وهو من قبيلة العريبات التي قدمت الكثير للوطن وللجهاد .. وأعطت للتاريخ ضريبة غير عادية وغير مدونة ، ولكن كل ذلك في سبيل الله تعالى ولن يضيع ذلك أبدا .
موقفه من الأتراك :
كان إبراهيم الفيل - قبيل الاحتلال الإيطالي - مطلوباً من قبل سلطات الدولة العثمانية ، وكان الأتراك يسمونه بالجناية ، لأنه كان يرفض دفع الضرائب على أغنامه .. بحجة أن السلطات التركية ، أثقلت كاهل الأهالي بها .
فطاردته السلطات العثمانية ، فاضطر لترك موطنه شرق بنغازي ، واستقر بأغنامه في منطقة القوارشة .. ولأنه كان قناصاً من الطراز الأول ، فقد أفشل كل محاولات الأتراك في القبض عليه .. وكان يعترض طريق ، عمال الأتراك والمتعاونين معهم ، حتى سمي بـ ( قاطع الطرق ) .. ويجد البعض له العذر في ذلك ، بحجة أنه كان مطاردا من قبل الأتراك ، ومجبرا على محاربتهم .
من جناية الأتراك إلى جناية الطليان :
وعندما داهم الطليان ليبيا تحول إبراهيم الفيل ، من جناية الأتراك إلى جناية الطليان .. وكان سباقاً إلى ساح الوغى ، وشارك في معركة جليانة ببنغازي في أكتوبر 1911م ، واستشهد بإذن الله تعالي في تلك الملحمة اثنان من إخوته
وشارك أيضا في معركة هواء الزردة ، والسلاوي ، وبنينه ، وقضي ليلة كاملة فيما عرف بنقطة نجيب ، يتبادل الرماية مع قناص عميل للطليان - من أهالي بنغازي - يدعى سالم الطرابلسي .
من مواقفه البطولية :
تقدم أهل الساحل إلى الفيل ، يشكون من ضابطً إيطاليً متعجرف ، يستعرض عضلاته عليهم من حين إلى آخر.. وكان يركب حصانه بالجنب - كما يفعل رعاة البقر الأمريكان في الأفلام - ويضيق عليهم الطرق والمراعي ويضربهم بدون سبب ، أو خوف من عقاب .. فقال لهم إبراهيم : سأريحكم من شره .
وبات ليلته تلك في دار العريبات ينتظر قدومه ، ولما تقابل الاثنان بدأ الإيطالي كعادته ، في غطرسته واستعراضه ، فأطلق إبراهيم رصاصة في الهواء ، ليجس بها خصمه .. فظن الإيطالي أن إبراهيم لا يجيد الرماية ، فأقبل بحصانه إليه ، مصوبا بندقيته بإتجاهه .
فأنطلق الفيل كالسهم إليه ، وبحركة بهلوانية ، تدلى من أحد جانبي الجواد ، ممسكا بسرجه ، ولما اقترب منه أطلق النار عليه ، فسقط كالأرنب يسبح في دمائه .. وبذلك تخلص الأهالي من ذاك الطاووس المتغطرس .
إنتقاله إلى دور المغاربة :
إنضم الفيل بعد ذلك إلى دور المغاربة حول منطقة إجدابيا ، فشارك في معركة حيشان اجبيل عام 1913م، وأبلى فيها بلاءً حسناً .
لكنه لم يحضر معركة بلال الأولى ، حيث كان في مهمة عسكرية كلفه بها صالح لطيوش آمر الدور، فلم حضر وأخبروه بالمعركة بكى لعدم مشاركته فيها .. .
شجاعة نادرة :
وفي اليوم التالي التقى الفريقان في معركة البريقية ، وكان بجانب الشيخ إبراهيم رفيقه الملازم له دائماً رابح القبايلي .. وبينما هما على صهوتي جواديهما سحب الشيخ إبراهيم لجام فرسه فقال له رابح : ( قيسها صيرتلك ذلة يا شيخ إبراهيم ) .
أي يبدو أنك قد جبنت .. فقال له إبراهيم : ( اللي فيه ذلة هو الخلي فيه اللجام ) .. أي الجبان من يتمسك بلجام حصانه .. وأخذ لجام حصانه وطرحه على الأرض . ولسان حاله يقول
( أكر على الكتيبة لا أبالي ** أحتفي كان فيها أم سواها )
وكان ذلك بمثابة تحدٍ لرفيقه رابح .. فما كان من رابح إلا أن طرح لجام حصانه أيضاً ، وقبض كلاهما على سبيب جواده ونزلا إلى ساحة المعركة .. وقد ترك الإثنان الأمر للجوادين يقودانهما حيثما شاءا ويقفان متى أرادا ، وهذا ضرب من التهور والمجازفة النادرة .. وسرعان ما نال رابح القبايلي الشهادة .
وعندما انتهت المعركة ، وتفرق المجاهدون يتفقدون جرحاهم وقتلاهم ، ويجمعون الأسلحة والغنائم .. كان من بين الجرحى ضابط إيطالي ، ملقىً على الأرض ، اقترب منه الشيخ إبراهيم ظنا منه أنه ميت ، فأطلق الإيطالي عليه النار ، فسقط إبراهيم شهيداً .
الإخوة الشهداء :
استشهد من إخوة إبراهيم الفيل ثلاثة – كما أشرنا – أحدهم في معركة جليانة ، واستشهد الثاني ويدعى الدرحي عبدالسلام الفيل ، في زاوية الطيلمون ، بعد أن منع فرقة إيطالية من التقدم .. كان يجيد الرماية ، ويقتل كل من يقترب منه .. وكان في نية قائد الفرقة الإيطالي أن يقبض عليه حياً .
وعندما نفدت ذخيرته ، قال لرجل معه ، خذ حصاني هذا وابتعد به ، لأنني لا أحب أن يمتطيه إيطالي كافر.. أما أنا فهذا مكاني ولن أغادره ، وصبر حتى نال الشهادة ومازال قبره هناك وصدق عليه حديث النبي صلي الله عليه وسلم فقد روى ابن أبي شيبة والحاكم بسند صحيح إلى أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة يحبهم الله)، فذكر أحدهم: (رجل كان في سرية فلقوا العدو فهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له).
وأخرج الإمام أحمد بسنده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجب ربنا من رجلين؛ رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحيه إلى صلاته، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حيه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي، ورجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه وعلم ما عليه من الانهزام وماله في الرجوع فرجع حتى يهريق دمه فيقول الله: انظروا إلى عبدي رجع رجاءً فيما عندي وشفقة مما عندي حتى يهريق دمه).
قال ابن النحاس الدمياطي رحمه الله تعالى: (ولو لم يكن في هذا الباب إلا هذا الحديث الصحيح؛ لكفانا في الاستدلال على فضل الانغماس).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعليقاً على هذا الحديث: (فهذا رجل انهزم هو وأصحابه ثم رجع وحده فقاتل حتى قُتل، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يعجب منه، وعجب الله من الشيء؛ يدل على عظم قدره، وأنه لخروجه عن نظائره يعظم درجته ومنزلته، وهذا يدل على أن مثل هذا العمل محبوب لله مرضي، لا يكتفى فيه بمجرد الإباحة والجواز حتى يقال: وإن جاز مقاتلة الرجل حتى يغلب على ظنه أنه يُقتل فترك ذلك أفضل، بل الحديث يدل على أن ما فعله هذا يحبه الله ويرضاه، ومعلوم أن مثل هذا الفعل يقتل فيه الرجل كثيراً أو غالباً).
.. أما الأخ الثالث فقد قبض عليه الطليان في الهروج ، وأعدموه بعدما داهم الطليان نجعهم هناك (1)
إرسال تعليق