أبطال من الصومال
- محمد عبد الله حسن الجبرتي العقيلي الهاشمي
"لن أستسلم و لن أكون للشرك عبداً"
في عام1897 وصل إلى ساحل بربره بدولة الصومال جماعة من المبشرين تحت الحماية البريطانية، وأراد المبشرون الإنجليز أن ينشروا الدعوة النصرانية بين المسلمين، وافتتحوا مركزين للدعوة في بربره وفي مدينة ديمولي، وبدأ النصاري في نشر دعوتهم ، فاستغاث المسلمون بالسيد محمد لينجدهم من المبشرين وحمايتهم من البريطانيين، وكان الجواب سلمياً على صورة شكوى قدمها السيد محمد إلى الإدارة البريطانية في الصومال، طالباً إبعاد المبشرين عن الصومال وفق رغبات الشعب المسلم، ولم تتحرك الإدارة في خطوة عملية. إلى أن كانت حادثة القسيس الإنجليزي الذي كان منزله بجوار أحد المساجد في بربره، ومن عادة المؤذن أن يصعد إلى أعلى المنبر ويؤذن في مواعيد الصلاة، وفي فجر يوم من الأيام استيقظ القسيس على صوت المؤذن الذي يؤذن لصلاة الفجر، فما كان منه إلا أن أطلق عياراً نارياً على مؤذن المسجد. وكان العيار الناري الشرارة الأولى لقيام الثورة الصومالية ضد المبشرين في الصومال، وقام الشعب تحت قيادة الشيخ التقي
السيد محمد إلى مركزديمولي فهدموه وإلى بربره التي لجأ إليها القسيس وتلاميذه من مركز ديمولي ولكن القوات البريطانية الموجودة في بربره حالت بين الشعب
الثائر وبين المبشرين وتلاميذهم بأن بعثت بهم على ظهر سفينة إلى عدن. وأعلنت الإدارة البريطانية أن لا تبشر بعد اليوم في الصومال، وأدرك البريطانيون خطورة السيد محمد لذلك وجهوا إليه انذاراً بسرعة للرحيل عن أراضي بربرة، فخرج السيد محمد من بربرة إلى نقال حيث قام بشراء عشرين بندقية فرنسية وتابع سيره مع نفر من تلاميذه إلى ناحية أغادينا ونشر دعوته بين سكان غرومي وقد وجد استجابة عند شعب أغادينا، وانضم إليه عدد كبير من طلاب العلم .
الدعوة للجهاد :
بعث الشيخ محمد إلى العلماء والشيوخ يحثهم على الجهاد في سبيل الله بإرشاد أبناء الأمة نحو الكفاح من أجل دينهم وذويهم ،وحرمتهم ،ووحدتهم واليك نص إحدي رسائله :
(بعد حمد الله والصلاة على رسوله يقول السيد محمد ومراد هذه الرسالة أمران أحدهما إبلاغ السلام، سلام الله عليكم وعلى من حضر لديكم. والثانية أريد منكم وأطلب إليكم مؤكداً حيث أنكم من العلماء الأعلام الذين هم الهداة أن تقوموا لإعلاء كلمة الدين الإسلامي. ولتوحيد صفوف أمتنا الصومالية لمقاومة الأعداء الذين يحتلون بلادنا، ويستعبدون أمتنا، ويهينون شرفنا وعزتنا، ويحاولون إذلال ديننا الذي هو أشرف الأديان. وحذروا الأمة من الأشياء التي تجلب لهم الهلاك في الدارين، وتسبب لهم الكفر والإرتداد، أعاذنا الله من الجميع، وبعد ذلك تكفيرهم لنا مع كوننا مسلمين موحدين مجاهدين في سبيل الله عاملين لإعلاء كلمة الله، ولإنقاذ بلادنا من براثن الأعداء الكافرين ومخالب أعوانهم المنافقين الكذابين. ومع ذلك يكفروننا بلا موجب، فيا علماء الإسلام حذروهم من ذلك وحذروهم من أتباع الكفرة والكفرمعهم، والتنظيم لهم، ونسيان العزة والتحاكم إليهم، والمعاملة معهم، ودعوة الرعية، ونصب البوارق، وجلب الفضائح إلى بلادهم، فإن ذلك كله مما يجلب الويل والهلاك. إن اتباع الكفرة لاشك أنه من المكفرات، وأما السكن معهم فتحريمه ظاهر بالكتاب والسنة أما الكتاب فيقول تعالى :( إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض. قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وبئس المصير(. وأما الأحاديث ففيها قول الرسول: (( أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا يا رسول الله ولم؟ قال لا تراءى الناران. وأما التنظيم لهم فهو مما يجلب الكفر، وقد أنكر العلماء إيمان من عظم الكفرة لأن الله أمر بإهانتهم وقال في حقهم: } حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
إعلان الجهاد المقدس:
أصدر السيد محمد أول بيان لإعلان الجهاد المقدس ضد المستعمرين والمبشرين أوضح فيه ما يجبإتباعه نحو دينهم الحنيف، والجلد في القتال والإستشهاد في سبيل الله. وهذا نص البيان بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين على أمور الدنيا والدين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. أما بعد ،، فاعلموا يا أخواني وفقني الله وإياكم لطاعته، أن الله لم يخلقنا عبثاً، وإنما خلقنا لحكمة يعلمها وهى عبادته وطاعته. فقال: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون( ويثبت لنا هذا نبينا الذي أرشدنا إلى دينه القويم وأوجب علينا اتباعه ونهانا عن مخالفته فقال: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( وأيده بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ولم يترك من أمور الدنيا والأخرة شيئاً إلا بينه. وما سار الإنسان على وفق أوامره ونواهيه إلا بلغ أقصى مناه، ونال ما يتمناه نحمدك اللهم على هدايتك وما كنا لنتهدي لولا أن هدانا الله.
إن أجل طاعة لله تتمثل في نصرة دينه، والجهاد ضد أعدائه، وقد جاء ( البادريون ) المبشرون إلى بلادنا وليس لهم غرض إلا إفساد عقيدتنا، وانتقاص أبنائنا، ونشر المسيحية في أراضينا، والسكوت على هذا معناه الرضا. والرضا بالكفر كفر وعذاب. والكفر لا يحل إلا على القوم الكافرين. وعليكم أن تقوموا بواجبكم الديني وأن تدفعوا شر هؤلاء قبل أن يستفحل الداء ويعز الدواء، أن زعماء الكفار قد غزوكم في بلادكم يريدون إفسادكم، وإفساد دينكم، وإجباركم على إعتناق مسيحيتهم، معتمدين على حماية حكوماتهم، وعلى ما لديهم من سلاح وعتاد، فحسبكم من سلاحكم إيمانكم بالله، وقوة عزيمتكم فلا ترهبوا جنودهم ولا كثرة سلاحهم فالله أقوى منهم وأكثر. هذا وكونوا صابرين على الشدائد، وموطدين العزم على التقوى طول أيام الجهاد في سبيل الله والعقيدة.
قال تعالى:( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله، ولاتهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون وكان الله حكيماً(. وإياكم والضجر إذا توالت عليكم الهزائم فإن الحرب سجال، وقد تكون الهزيمة اختياراً لكم على صدقكم وقوة عزيمتكم. قال تعالى: ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين(، وإذا رأيتم من المسلمين من يعينون الكفار بأن دلوهم على الطرق وأماكن المياه أو كانوا لهم عيوناً أو جواسيس فاقتلوهم حيث وجدتموهم فليسوا بمسلمين. قال صلوات الله عليه : (( من حمل السلاح علينا فليس منا)). أعلن جهادي أنا ومن اتبعني على الحكومة الإنجليزية التي تظل بكنفها المبشرين ( البادرين) مستعيناً بالله متوكلاً عليه، ولا يمنعني من جهادها مانع، ولا أعلم ما الله بعد ذلك صانع. ولكن الأمل منه أن يحقق المراد، وأني لأرجو أحد الفوزين أن أموت شهيداً أو أطهر البلاد من درن الكفار، والله ولينا حسبنا ونعم الوكيل
أشهر المعارك الحربية :
قام السيد محمد عبد الله حسن وأتباعه بعدة معارك حربية مع قوات الإستعمار ومن أشهر هذه المعارك، الوقائع التالية:
1- أول المعارك التي خاضها
قام السيد محمد بتعبئة تلاميذه نحو الكفاح والجهاد في سبيل الله، وكانت المعركة الأولى حوالي عام 1899 حينما وصل بعض الجنود غير النظاميين من الأحباش وهاجموا مدينة صومالية فتصدي لهم الشيخ والحق بهم خسائر فاضحة، وغنم الكثير من أسلحتهم الطليانية وبعد هذه المعركة ظهر للشيخ محمد كثير من الخونة والعملاء والمنافقين الذين باعوا دينهم بدنياهم فتصدي لهم الشيخ بكل ما أوتي من قوة فهم أضر علي الإسلام من العدوالمتعارف عليه بين المسلمين وذلك لأنهم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ، وبذلك أصبح الشيخ يحارب علي خمس جبهات أربعة خارجية وواحدة داخلية.
2- غزوة بهر طبغ ( حوض الدم)
في أبريل 1901 أصدرت الحكومة البريطانية أمراً إلى الكابتن سواين بالقيام على رأس جيش من قاعدة بربره إلى مدينة أفبكيلي، إذ قيل أن السيد محمد قد جمع دراويشه في هذه المنطقة لمحاولة التغلغل داخل ثكنات الجيش في بربره، والحصول على أسلحة وصلت حديثاً إلى الميناء. وتحرك الكابتن سواين بجنوده نحو الداخل، وكان السيد محمد على علم بتحركات الجيش الإنجليزي، فترك مدينة أفبكيلي، هو و جنوده ليلاً حتى إذا ما وصلت القوات الإنجليزية إلي المدينة التي قيل أنها محصنة جداً لم يجدوا بها شيئاً، و قد فاجأهم السيد محمد برجاله في صباح الثالث من مايو، و كانت أول معركة يدخل فيها السيد محمد على رأس جيش منظم، و كان الإنتصار عظيماً للصوماليين و الخسائر فادحة للبريطانيين، و تخليداً لهذا الإنتصار سميت هذه المعركة باسم معركة بهر طيغ أو حوض الدم لكثرة الدماء البريطانية التي ملأت بقاع المدينة.
3- غزوة قرطدن:
لم يمض شهر على غزوة بهر طبغ حتى وصلت الأنباء إلي معسكرات المسلمين في ناحية (لاس عانو) أن البريطانيين بعثوا بحملة أخرى أكثر عدداً تحت قيادة الكابتن سواين للثأر من السيد محمد و رجاله الذين فاجأوه في صباح الثالث من مايو سنة ،1901 و قتلوا عدداً كبيراً من البريطانيين. و لما علم السيد محمد بأمر الحملة نادي في جنوده قائلاً : ( يريد الكفرة أن يلحقوا بنا الهزيمة لما ألحقناه بهم من خراب و تدمير. فإلي الجهاد يا رجال الإسلام.) و تقابلت جيوش السيد محمد و جيوش بريطانيا العظمي إلي الشرق من لاس عانو بنحو خمسين ميلاً في مكان يدعي قرطدن، و كان النصر فيها للهلال على الصليب في 16 يوليو عام 1901.
4-غزوة بيرطقة:
( شمال جالكعيو ) 19 أكتوبر 1902 كان السيد محمد و رجاله في منطقة مدق عام 1902 طلباً للراحة و الاستعداد لغزوات واسعة المدى، و انتظاراً للأسلحة التي وعد سلاطين الماجرتين أن يمدوا بها الدراويش الصوماليين مساهمة منهم مع إخوانهم الصوماليين في جهادهم ضد الطليان و الإنجليز و الأحباش. و عملت المخابرات البريطانية بمواقع القوات الصومالية بقيادة السيد محمد، فأصدرت السلطات البريطانية على ساحل الصومال أمراً بتعبئة جيش جرار لمداهمة الصوماليين في ناحية مدق ( داخل نطاق الصومال الإيطالي ) و ذلك بالإتفاق مع إيطاليا بشأن السماح للقوات البريطانية بمطاردة السيد محمد و رجاله حتى داخل أراضي المحمية الإيطالية. و السيد محمد الحريص على مصالح وطنه بعث الرسل إلي نواح مختلفة بعيدة عن أرض معسكرات الصوماليين للتجسس على الأعداء، و قد جاء رسول يخبره أن جيشاً بريطانيا ً في طريقه إلي مدق، فتأهب السيد و رجاله للدفاع و المقاومة، و التقي الجيشان في بيرطقه و كان النصر للدراويش بجانب ما غنموه من الأسلحة الحديثة الوافرة لدى العدو.
5- معركة عفاروينه في 17 إبريل 1903:
و ما أن وصلت أخبار هزائم البريطانيين في الصومال، و الخسائر الفادحة في الأرواح و الأموال حتى قررت الحكومة البريطانية أن تقضي على الثورة الصومالية مرة واحدة قبل أن يستفحل أمرها، و يزداد نفوذها فأتخذت الترتيبات اللازمة نحو ترك قوات إنجليزية من قاعدة بربره إلي منطقة مدق و أن تبعث إيطاليا بحملة ثانية من ناحية الجنوب. على أن يتعاون البريطانيون، و الإيطاليون في غزو من ناحية الشرق. وخرجت القوات الإنجليزية من الشمال والإيطالية من الجنوب في الوقت الذي وصلت فيه السفن البريطانية إلى هوبيا، وبعد أن تجمعت الجيوش في منطقة مدق أرادوا أن يدمروا حصون الدروايش دفعة واحدة، غير أن السيد محمد عمل على سحب القوات المعادية إلى أرض عفاروينه حيث تمكن أن يلحق بهم خسائر أكثر من أي معركة أخرى منذ أن أعلن الجهاد ضد الإنجليز والإيطاليين والأحباش. وفي اليوم التالي لهذه المعركة تعرض السيد محمد ورجاله إلى قوات إنجليزية قادمة من ناحية هود وأمكن هزيمتها في معركة درتولي، وهلل المسلمون حمداً لله بأنهم في يومين متتاليين استطاعوا أن يهزموا قوات إنجليزية وإيطالية أحسن سلاحاً منهم وأكثر عدداً، وقد غنم الصوماليون غنائم كثيرة. وعلم السيد محمد أن القائد منليك بعث بجيش تحت أمرة ضباط بريطانيين لمهاجمة الدراويش في الأوجادين غير أنهم تراجعواخوفا من المسلمين حينما بلغتهم الأخبار عن مدى خسائر القوات الإنجليزية والإيطالية في معركتي عفارونيه ودرتولي.
تهديد و وعيد:
كتب الجنرال رتشارد كورنفيلد القائد العام للقوات البريطانية المسلحة في محمية الصومال رسالة إلي السيد محمد عبد الله حسن. جاء فيها.( من قائد القوات البريطانية في الصومال إلي قائد قوات الدراويش السيد محمد عبد الله حسن. أما بعد. لقد نصحناك و أنذرناك من سوء العاقبة، و لم تقبل نصيحتنا، و لهذا فقد تكون عرضة لهجوم حكومة أكبر منك قوة، و سننسفك نسفاً أنت و من معك، إذا لم ترجع عن غيك، و تخمد ثورتك الجنونية و اعلم أن دولة صاحبة الجلالة عظيمة جداً، و لا يستطيع مجنون مثلك أن ينال منها شيئاً، فإرجع عما أنت فيه، وعد إلي صوابك قبل أن تقع عليك المصيبة، و تندم على أعمالك السيئة، و الموت ينتظرك متى أصررت على عنادك). و كانت إجابة السيد محمد على رسالة ريتشارد كورنفيلد البريطاني كالتالي. ( من السيد محمد عبد الله حسن قائد قوات الدراويش الإسلامية إلي الجنرال رتشارد كورنفيلد قائد قوات الشيطان. قد أطلعت على رسالتك، و فهمت منها جميع أغراضك الدنيئة و أغراض حكومتك الوضيعة، و اعلم أن قواتكم التي تفاخرون بها لا تساوي لدي شيئاً، و أعلمك أيضاً أنكم إذا كنتم تحاربون بقواتكم الهائلة، فإنني اقاتلكم بنيتي الصالحة ، و إيماني القوى، و عزيمتي المتينة التي لا تعرف الملل، مهما تكن الظروف فلن استسلم و لن أكون للشرك عبداً).
6- معركة دلمادوبونهايه القائد رتشارد كورنفيلد(كوفل):
أدركت بريطانيا أن إسلوب التهديد لا يجدي مع السيد محمد المؤمن برسالته و دعواه في تحرير و إستقلال وطنه، و قررت أن تدخل حرباً كبرى مكشوفة أمام قوات السيد محمد، فأبرقت إلي الجنرال رتشارد كورنفيلد (كوفل) أن يعد جيشاً قوياً و له مطلق التصرف في استدعاء الضباط و الجنود للدخول في المعركة الثأر للشرف البريطاني الذي استهزأ به السيد محمد، و أن يقضي قضاءً تاماً على ما سموه بالعصابات الصومالية و قطاع الطرق، و أن يترأس القوات المسلحة المغيرة و التي تتألف من القوات الهندية الإنجليزية القادمة من الهند بالإضافة إلي القوات الموجودة في المنطقة ( أي قوات المحميات البريطانية في عدن و الصومال و زنجبار وكينيا). و اعتبر رتشارد أن المعركة تمثل هيبة بريطانيا، و حدد مكانها في تاليح معقل الدراويش، و بعد أن تجمعت قواته. زأر زئير الأسد في جنوده. قائلاً. إلي الفناء يا عصابات الطرق. و دخلت الفرق الإسلامية الصومالية معركة الحقد و الثأر بكل عزيمة و إيمان و دارت رحى الحرب في أكتوبر 1913 و قتل الجنرال ريتشارد في بداية المعركة عند دولمادوب ووضع السيد رجله الشريفة على جبهة القائد الإنجليزي وقال قصيدته المشهورة "كوفل أيه الذاهب إلى جهنم"
وانتهت المعركه بنصر حاسم للمسلمين وغنموا غنائم لا حسر لها ولله الحمد والمنة
بريطانيا تعرض ملك الصومال على السيد محمد:
أدركت بريطانيا أن سياسة المفاوضات من أجل الصلح والسلام تحت ظل الاستعمار لم تجد قبولاً عند السيد محمد المؤمن برسالته، و أن سياسة التهديد و الوعيد أسفرت عن قتل القائد العام للقوات البريطانية في الصومال و عن هزيمة الجنود البريطانيين في معركة دولمادوب و خسائر كبيرة في الأرواح و العتاد. فاتخذت بريطانيا سياسة جديدة هى سياسة التعظيم و التكبير والإغراء و الهدايا و الرشوى فبعثت ببرقية إلي القائد العام للقوات البريطانية في الصومال أن يرفع العلم الأبيض رمزاً للسلام، و أن يدخل في مفاوضة مباشرة مع السيد محمد و أتباعه بحضور نائب ملك الهند و أن يمنحه الأمان، و كل ما تشتهي نفسه من أجل استقرار المحمية البريطانية في الصومال. فبعث القائد الجديد برسالة إلي السيد محمد يناشده أن يلبي نداءه و يجتمع في مكان قريب من لاس عانود في ساعة محدده. فاستجاب السيد محمد لنداء القائد البريطاني الجديد عسي أن تنتهي المفاوضات باستقلال وطنه. و تقابل الوفدان الإنجليزي و الصومالي. و تباحثا في أمر الاستقرار و الهدنة. و تقدم نائب ملك الهند بهدية إلي السيد محمد بعد أن قدم التحية باسم ملكة بريطانيا و حكومتها و شعبها. و خلال الحديث أدرك السيد محمد محور الهدنة و الصلح، و هو أن يلقي الدراويش سلاحهم مقابل أن تعترف الحكومة البريطانية و الدول الصديقة بالسيد محمد كملك على الصومال، و أن بريطانيا تضمن له اعتراف الدول به كملك على الصومال. و مع الهدية القيمة وبريق المجد و السلطان الكبير فإن السيد محمد لم ينظر إلي هذه الاعتبارات و ذاك الإغراء، بل أمر مرافقيه بالقاء الهدايا و قال كلمته المشهورة الخالدة التي تعتبر دستوراً لأمانة النضال و الصدق في القيادة و هى ( أني لم أفكر في أن أكون ملكاً، و لم يكن ذلك هدفي لا في الحاضر و لا المستقبل، و لكن هدفي الوحيد هو أن أطهر بلادي من الاستعمار، و أعيد إليها حقوقها المغتصبة، و أطهرها من الشرك و النفاق ولست أبالي بعد ذلك أن أحيا أو أموت ).
دور المنافقين والخونة :
بعد أن فشلت الدول الأوربيه في القضاء علي الشيخ المجاهد محمد عبدالله حسن بقوة السلاح والجنود وبعد الهزائم المتلاحقة التي منيت بها القوات الصليبية لجأت تلك البلاد الي السلاح الفتاك وهو سلاح الخيانة ذلك السلاح الذي إمتاز به المنافقين وكم قتل هذا السلاح من عالم وكم انتهكت من حرمات وكم ضاعت بلاد بسبب هذا السلاح الفتاك "الخيانة" فالخونه عندهم من الأساليب الخبيثه ما يستطيعونه به أن يقلبوا الحقائق ويزوروا التاريخ ويغيرو الثوابت كيف لا وهم قد تخرجوا من مدرسة بن سلول لعنه الله لذلك وضع المنافقين خطتهم للقضاء علي الشيخ المجاهد في خطوات وهي :
1- التشنيع بالشيخ وإلصاق التهم المخلة بالآداب به فاتهموه بالشراسة، و عدم الإنسانية، و حب سفك الدماء، و الميل إلي المجون، و العربدة،وشرب الخمر و إختطاف النساء إلي أو كاره الخاصة. و وصفوه بالملا المجنون. غير أن هذه الدعايات المغرضة، و الإفتراءات الكاذبة لم تجد أذنا صاغية عند المجاهدين.
2- منح الهدايا والأموال والرشاوي لرؤساء القبائل و استطاعت بريطانيا خلال عامين أن تجد بعض المؤيدين للبريطانيين ضد الأعمال التي يقوم بها الشيخ محمد و رجاله.وقد ذكر ذلك الشيخ محمد في رسائل المنافقين حيث قال ( ثم أن الدول المذكورة بدأت تبذل أموالاً تافهة لزعماء القبائل ورؤساء العشائر لتشتري منهم دينهم و وطنهم و شرفهم و عزهم بتلك الدريهمات ، و كأن الزعماء لا يفهمون مرارة الإسترقاق و الإستعمار، و لا يدركون ما سيحصل لهم و لشعوبهم من الذل والخزي و الهوان بعد ما خلا الجو ممن يعارضون تلك الدول. و لا يلتفتون إلي أن تلك الدول تريد استثمار خيراتها لفائدة دولهم، و لا تريد أن تجلب خيرات بلادها إلي هؤلاء الجهلاء الأغبياء و لا يفهم هؤلاء الأغبياء أن المرتبات و المشاهرات مثلها كمثل ما يعطي للطير و الحيتان لاصطيادها. و من جهة أخرى فتح المبشرون مدارس في البلاد ليغيروا من دين الشعب)
3- استطاع البريطانيون أن يتحصلوا على مخطوط من الشيخ محمد صالح صاحب الطريقة الصوفية الصالحية و فيها توجيه إلي مسلمي الصومال التابعين لعقيدته أن يهجروا السيد محمد و أتباعه و يذكر المخطوط هذا القرار. لإتخاذه تعاليم تبتعد عن روح الصالحية كشرب الخمر و المجون و العبث بالنساء وحب سفك الدماء. واعتبار السيد محمد و التابعين له خارجين عن عقيدة الصالحية. و في هذا إفتراء صارخ للحقيقة.
نهاية السيرة الخالدة للسيد محمد عبد الله حسن:
في أوائل عام 1919 علم السيد محمد و رجاله أن الحكومة البريطانية قررت أن تعبيء جيشاً برياً مزوداً بالعربات المصفحة و المدافع الرشاشة السريعة الطلقات، و عشرة آلاف جندي من المشاة تساندهم قوى هائلة من الطيران بقصد التوغل في أراضي المحمية لتطهيرها من الدراويش و تفادي الخسائر التي تصاب بها المعسكرات البريطانية من جراء المفرقعات التي يضعها المجاهدون الدراويش في جهات مختلفة من المعسكرات، حتى اختفت فرق عسكرية بريطانية بأكملها.
فاستعد الشيخ المجاهد لملاقتهم وأقام معسكره لملاقاة عدوه و جاء إلي المعسكر وفد صومالي يطالب بعودة السيد محمد و رجاله إلي نقال، و وقف القتال للعيش في سلم و هدوء. فقال السيد محمد بطل الإستقلال.( أعوذ بالله منكم وممن أرسلكم. لن أستسلم و لن أكون للشرك عبداً ). فانصرف الوفد عائداً من حيث أتى.
و استمر السيد محمد في إعداد الجيش و إستكمال المعدات الحربية خلال ثمانية أشهر أو أكثر بقليل حتى ظهر وباء مميت بين القوات الصومالية المجاهدة، و يذكر أكثر الرواة أن هذا الوباء قد حمل جراثيمه رجلان من عملاء الإستعمار الإنجليزي، و ألقوا به في آبار منطقة هروشكح التي يعسكر فيها الدراويش و نتيجة لذلك، كثرت الوفيات في الوقت الذي عز فيه الدواء و الطبيب، و لذلك كانت معارك هروشكح فيعام 1920 من المعارك الخاسرة بالنسبة للصوماليين. و استمرت الحروب البريطانية الصومالية نحو عام كامل (1920 /1921) و فيها تسجيلات رائعة لمعارك عظمى انتصر فيها المسلمون ، و رغم المدافع الثقيلة و الطائرات الحربية و القنابل المدمرة التي قيل أنها ألقت أكثر من مائة قنبلة على حصن تاليح و كادت تحطمه في الوقت الذي لا يملك فيه الدراويش طائرة واحدة بينما تمتليء سماء تاليح بطائرات مقاتله ضخمة و أمام هذا الضغط الحربي الكبير اضطر السيد محمد أن يصدر أوامره كما هى عادته بالتفرق السريع و التوغل في البلاد تفادياً من وقع خسائر في الأرواح، بيد أنه استنفد كل وسائل المقاومة و التضحية، و خرج السيد محمد جريحاً من إحدى المعارك، و مات الشهيد متأثراً بجراحه في نهاية عام 1921 تقريباً، و بحث البريطانيون في نهاية المعركة عن جثمان الشهيد السيد محمد، ، ليفعلوا به كما فعل البريطانيون برأس السيد محمد المهدي في السودان ليجعلوا من جمجمته منفضة سجائر لملكة بريطانيا و زوارها، غير أنهم لم يتمكنوا من ذلك فقد نجح ورثته في الكفاح و الجهاد من إخوانه الدراويش أن يظل قبره سراً لا يعرفه إلا الخاصة منهم . و بعد عام 1921 استعادت الحكومة البريطانية قوتها للسيطرة على الإقليم الشمالي، و لكن بعد أن تركت ثورة السيد محمد مرارةً و حسرة في نفوس الشعب لا يمكن أن تمحوها السنون و القرون، و قد أصاب المؤرخ البريطاني الرسمي في ذلك الوقت حينما قال ( أنه سيعيش في قلوب مواطنيه إلي الأبد كرجل وطني و زعيم خالد الذكرى، بلغ الذروة في البطولة.). و بعد أربعين عاماً تقريباً تحررت البلادبقسميها الشمالي و الجنوبي وهى اليوم تعمل لإستكمال الرسالة التي وضعها السيد محمد للاستقلال الكامل للوطن الصومالي الكبير و طرد الدخلاء و المبشرين و تدعيم الاستقلال.
إرسال تعليق