غزا النازيون وحلفاؤهم مملكة يوغوسلافيا في أبريل/نيسان 1941، فأصبحت البوسنة والهرسك تحت سيطرة دولة كرواتيا المستقلة، وهي دولة عميلة للنازية، حاولت استمالة المسلمين البشناق بوصفهم «كرواتًا مسلمين» ينتمون للعرق الآري، ولم تهدر كثيرًا من الوقت في اضطهاد غير الكروات مثل الصرب واليهود والغجر. ففي سبتمبر/أيلول من العام نفسه بدأت عمليات ترحيل اليهود، حيث تم ترحيل عدد كبير من اليهود البوسنيين إلى معسكرات الاعتقال في كرواتيا، ومنها إلى «أوشفيتز» (معسكر الاعتقال النازي الشهير في بولندا).
مواقف مشهودة للمسلمين في حماية يهود البوسنة
ومن الأمثلة البارزة على ذلك ما عُرف بـ «قرار المسلمين»، وهي عريضة أصدرتها جمعية العلماء «الهداية» في سراييفو في أكتوبر/تشرين الأول 1941، ونشرت في الصّحف الرّسميّة، ثمّ سلّمت للوزير المفوّض في سراييفو، ووقّع عليها 108 من وجهاء المدينة ومثقّفيها وتجّارها.
تطالب تلك العريضة السّلطات التّابعة للنّازيّة بوقف الأعمال العدائيّة ضدّ جميع المدنيّين (والمقصود منها وقف اضطهاد اليهود والغجر والصّرب الذي دأبت عليه السّلطة وقتها)، وتأمين الحماية لحياتهم ولشرفهم ولممتلكاتهم ولأديانهم، ومحاكمة المسئولين عن تلك الجرائم، وتعويض ضحايا تلك الأعمال العدائية. كذلك أعلنت العريضة براءة مسلمي البوسنة من كلّ عمل فرديّ ينتهك حقوق الإنسان منسوب للمسلمين.
اعتُبرت هذه الوثيقة تصرّفًا شجاعًا ضد النزعة الفاشية التي سادت حينها. فقد اعتبرت السّلطات هذا القرار طعنة في الظهر وخيانة للوطنية، ووجّهت تهديدًا للموقّعين على الوثيقة في سراييفو بأخذهم لمراكز الاعتقال،ونفّذت تهديداتها فعلًا، فقد سجنت بعضًا منهم، وقتلت آخرين.
لكنّ المدن الأخرى في البوسنة حذت حذو سراييفو في الإعلان عن قرار مسلميها بشكل رسميّ ضد عمليات القتل والخطف، وهو ما حدث في مدن مثل برييدور، وموستار، وبنيالوكا، وتوزلا وبييلينا وتريبينا، و أصدروا عرائض موقّعة تعبّر عن هذا القرار. وفي سياق آخر، أدان ممثلو المسلمين التّحويل القسريّ الذي حدث لبعض اليهود إلى الدّيانة الرّسمية آنذاك الكاثوليكية.
وكذلك ساعد أهالي سراييفو العديد من اليهود على الفرار والتسلل. من بين العديد من القصص الشهيرة، قصة مصطفى وزينبا، وهما زوجان من عائلة هرداغا، قاما بإيواء عائلة اليهودي يوسف كابيليو في بيتهما، وحموْها من الاعتقال، وساعدوها على الوصول إلى مدينة موستار عاصمة الهرسك التي كانت تحت الاحتلال الإيطالي، وبذلك نجت العائلة بنفسها من قبضة النّازية.
وذكر باحثان كرواتيّان في كتابهما «البشناق في معسكر ياسونافانتش» أن عدد البوسنيين الذين قضوْا في معسكر الاعتقال ياسونافانتش سيئ السّمعة بلغ 1520، كانت تهمتهم إما مناصرة الشّيوعيّين البارتيزان (المناضلون الشيوعيون ضد الحكم الفاشي في إيطاليا وغيرها)، أو المعارضة اللفظية لأعمال العصابات الكرواتية «أوستاشا»، أو إخفاء عائلات يهوديّة، أو تقديم المساعدة للاجئين على الرغم من حظر «الأوستاشا».
هذا التعامل الإنساني والوقوف بأصعب الظروف من قبل مواطني البوسنة، اعترفت به حتى دولة الكيان الصهيوني. ففي نصبها التذكاري لضحايا الهولوكست، وعلى قائمة «الصالحين بين الأمم»، وهم الأشخاص من غير اليهود الذين ساعدوا اليهود على النجاة بأرواحهم من المحرقة، يرد ذكر اثنين وأربعين بوسنيًّا. ومع ذلك، وجريًا على عادتها في الغدر والتنكّر لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها،شاركت دولة الكيان الصهيوني في دعم صرب البوسنة في عدوانهم على دولة البوسنة والهرسك.
منقول باختصار
إرسال تعليق