جهاد الأبرار لتحرير الاسرى من يد الكفار
جمع وترتيب محمود قناوي
غفر الله له ولوالديه
قال تعالي :
{ وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} (الأنفال 72 )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخْذُلُه و لا يحقره ) صحيح مسلم
قضية الأســرى
الحمد لله ناصر المستضعفين والصلاة والسلام علي رسول الامين وعلي آله وأصحابه الميامين وعلى من والاه واتبع سبيل المؤمنين ثم أما بعد ففي هذا الزمان الذي لم يمر علي الأمة زمان مثله عبر القرون والسنين إمتلأت سجون أعداء الإسلام بالأسري المستضعفين من الرجال والنساء فضلا عن الاطفال والمراهقين الذين لاحول لهم ولا قوة ولا ذنب لهم إلا أنهم قالوا ربنا الله رب العالمين .
و لا شك في أن معاناة المسلمين اليوم أمر جلل لم يسبق له مثيل عبر تاريخهم الطويل ، حيث تداعت عليهم الأمم متكالبة ، و نابذتهم العداء متحالفة ، و تجمهَر في الحملة الهوجاء عليهم أهلُ الأرض قاطبةً من يهود و صليبيين و وثنيين و ملاحدة و شيوعيين وروافض حاقدين وعلمانين فاسدين وغيرهم كثير من أعداء الدين ، فضلاً عمن والاهم أو وافقهم ؛ باستعلاء أو على إستحياء ؛ و قد أسفَرت الحرب الضروس القائمة ضد الإسلام و أهله
تمكين الأعداء الحاقدين من رقاب الأولياء الصالحين ، حتى باتوا يعملون فيهم القتل
و التنكيل ، و الأسرَ و التكبيل ، و ينقلون المئات منهم من ديار المسلمين إلى المعتقلات و الزنازين ، على مرأى و مسمَع من الجميع ، دون أن يُحرك ذلك ساكناً ، أو يَرفَعَ همةً لفكاك الأسرى المستضعفين ، أو استنقاذهم من الكافريين .
مع أن القيام بذلك واجب متعين – على الكفاية في أقل الأحوال - على من جعلهم الله
{ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }(1) كل بحَسب طاقته و قُدرَته ، حسب ما دلت عليه عمومات النصوص الشرعية المؤكدة على حق المسلم على المسلم ، و منها وجوب نصرته ، و تحريم خذلانه و إسلامه لعدوه ، أو التخلي عنه ، كقوله تعالى : { وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ }(2) [ ا] ، و ما ثبت في صحيح مسلم و عند أصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخْذُلُه و لا يحقره )
و قال الإمام النووي [ في شرح صحيح مسلم : قال العلماء : الخذل ترك الإعانة و النصر ، و معناه : إذا استعان به في دفع ظالم و نحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ، و لم يكن له عذر شرعي ، و ( لا يحقره ) أي : لا يحتقره ؛ فلا يُنكِر عليه ، و لا يستصغره و يستقله .اهـ . (3) (4)
********************************
2-ا لأنفال : 72 -ال عمران110 -
3-صحيح مسلم : 16 / 120
4- الخلاصة في احكام الاساري بتصريف بسيط ص122
و قد فهم الأئمة النقاد من هذا الخبر الصحيح الثابت أن على المسلم وجوباً أن يهبَّ لنصرة أخيه المسلم ، و لو تجوَّز في سبيل ذلك بارتكاب مالا يحل إلا للضرورة .
وقال الإمام البخاري في صحيحه
( باب يمين الرجل لصاحبه إنه يتحقق إذا خاف عليه القتل أو نحوه ، و كذلك كل مكره يخاف ؛ فإنه يَذُبُّ عنه الظالم ، و يقاتل دونه و لا يخذله ، فإن قاتل دون المظلوم فلا قِوَدَ عليه و لا قصاص .و إن قيل له : لتشربنَّ الخمر ، أو لتأكلنَّ الميتة ، أو لتبيعنَّ عبدك ، أو تقرُّ بدَين ، أو تهب هبة ، أو تحلُّ عقدة ، أو لنقتلنَّ أباك أو أخاك في الإسلام ، و ما أشبه ذلك ؛ وسعه ذلك ، لقول النبي : ( المسلم أخو المسلم ) (1)
و قال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر طائفة من أقوال العلماء و خلافهم في مسألة الإكراه بتهديد الغير : ( و المتجه قول بن بطال أن القادر على تخليص المظلوم توجه عليه دفع الظلم بكل ما يمكنه فإذا دافع عنه لا يقصد قتل الظالم و إنما يقصد دفعه فلو أتى الدفع على الظالم كان دمه هدراً و حينئذ لا فرق بين دفعه عن نفسه أو عن غيره ) (2)
وعن جابر و أبي طلحة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من امرئ مسلم يخذل امرَءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته ، و ينتقص فيه من عرضه ؛ إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته ، و ما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه ، و تنتهك فيه حرمته ؛ إلا نصره الله في موضع يحب فيه نصرته ) (3).
و أخرج الإمام أحمد و السيوطي ( في المعجم الصغير ) بإسنادٍ حسّنه عن سهل بن حُنَيف عن أبيه عن النبي قال : ( من أُذل عنده مؤمن فلم ينصره ، و هو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة ) (4)
قال الإمام المناوي رحمه الله شارحاً هذا الحديث ( من أُذِلَّ ) بالبناء للمجهول ( عنده ) أي بحضرته أو بعلمه ( مؤمن فلم ينصره ) على من ظلمه ( هو ) أي و الحال أنه ( يقدر على أن ينصره أذله اللّه على رؤوس الأشهاد يوم القيامة )(5) فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم دنيوياً كان - مثل أن يقدر على دفع عدوّ يريد أن يبطش به فلا يدفعه - أو دينياً
ويقول الإمام ابن حزم في المحلى : ( مسألة : وكذلك لو نزل أهل الحرب عندنا تجاراً بأمان ، أو رسلاً ، أو مستجيرين ، أو ملتزمين لأن يكونوا ذمة لنا ، فوجدنا بأيديهم أسرى مسلمين ، أو أهل ذمة ، أو عبيداً ، أو إماء للمسلمين ، أو مالاً لمسلم أو لذمي ؛ فإنه ينتزع كل ذلك منهم بلا عوض أحبوا أم كرهوا ، ويُرد المال إلى أصحابه ولا يحل لنا الوفاء بكل
*************************************
1- البخاري في صحيحه [ 6 / 2594 ]
2- في فتح الباري 12 / 324 ]
3- رواه ابوداود
4- المعجم الصغير
5- فيض القدير : 6/ 46 ، 47 ]
عهد أعطوه على خلاف هذا ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل )) . ونسأل من خالفنا : ما يقول لو عاهدناهم على أن لا نصلي ، أو لا نصوم ؟!!). (1)
ومن المعلوم أن فك الأسرى واجب من واجبات المسلمين ، و ذلك لقوله تعالي:
(وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا)(1)
قال ابن العربي في هذه الآية
قال علماؤنا : أوجب الله سبحانه في هذه الآية القتال لاستنقاذ الأسرى من يد العدو مع ما في القتال من تلف النفس , فكان بذل المال في فدائهم أوجب , لكونه دون النفس وأهون منها . وقد روى الأئمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني ) ، وقد قال مالك : على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم ; ولذلك قالوا : عليهم أن يواسوهم , فإن المواساة دون المفاداة(2)
(5/279 رحمه الله وقال القرطبي):
قوله تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله) : حض على الجهاد
، وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب ويفتنونهم عن الدين ، فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه
***********************************
1-الخلاصة في احكام الاساري
2- احكام القران 1/
واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده وإن كان في ذلك تلف النفوس ، وتخليص الأسارى واجب على جماعة المسلمين إما بالقتال وإما بالأموال وذلك أوجب لكونهما دون النفوس إذ هي أهون منها(1)
، قال مالك : واجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم وهذا لا خلاف فيه
وقال القرطبي رحمه الله عند قوله تعالى { وإن يأتوكم أُسارى تفادوهم } :
( ولعمر الله لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن فتظاهر بعضنـا على بعض ، ليت بالمسلمين بل بالكافرين حتى تركنا إخواننا أذلاء صاغرين ، يجري عليهم حكم المشركين، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . قال علماؤنا : فداء الأُسارى واجب وإن لم يبـق درهم واحد )
قال تعالى(و مالكم لاتقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من ...) (قال الشوكاني في " والمستضعفين مجرور عطفا علي الاسم الشريف وسبيل المستضعفين حتى تخلصوهم من الأسر وتريحوهم مما هم فيه من الجهد ويجوز أن يكون منصوبا علي الاختصاص أي وأخص المستضعفين فإنهم من أعظم من يصدق عليه سبيل الله(2)
و قال بن العربي المالكي " الا أن يكونوا أسراء مستضعفين فان الولاية منهم قائمة ، و النصرة لهم واجبة بالبدن بأن لا يبقى منها عين تطرف حتى تخرج إلى استنقاذهم . إن كان عدونا يحتمل ذلك ، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحد درهم و كذلك قال مالك و جميع العلماء "(3) .
قال سيد قطب رحمه الله
(وكيف تقعدون عن القتال في سبيل الله واستنقاذ هؤلاء المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ؟ هؤلاءالذين ترسم صورهم في مشهد مثير لحمية المسلم ، وكرامة المؤمن ، ولعاطفة الرحمةالإنسانية على الإطلاق..
هؤلاء الذين يعانون أشد المحنة والفتنة لأنهم يعانون المحنة في
عقيدتهم ، والفتنة في دينهم ، والمحنة في العقيدة أشد من المحنة في المال والأرض والعرض لأنها محنة في أخص خصائص الوجود الإنساني ، الذي تتبعه كرامة النفس والعرض وحق المال والأرض)(4)
************************************
1-
فتح القدير (1\)487 2-
3- أحكام القران صـ440/ج2
4- الظلال 2-708
وقد حرص السلف على فك الاسارى واالأدلة على ذلك كثيرة فمن أقوال بعض العلماءفي وجوب فك الأسري :
ما ثبت في الصحيح:
عن أبي جحيفة قال : قلت لعلي رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين ،هل عندكم من الوحي شيء ؟ قال : لا ، والذي فلق الحبة وبرأالنسمة إلا فهماً يعطيه الله عز وجل رجلاً ، وما في الصحيفة . قلت : وما في الصحيفة؟
قال : العقل ، وفكاك الأسير ، ولا يقتل مسلم بكافر
وفي الصحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم فدى رجلا برجلين)
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: و
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( فكوا العاني وأطعموا الجائع ، وعودوا المريض)(1
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ( قال ابن بطال : فكاك الأسير واجب على الكفاية وبه قال الجمهور وقال إسحاق بن راهويه : من بيت المال)(2)
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( لأن أستنقذ رجلا من أيدي الكافرين أحب إلي من جزيرة العرب).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فكاك الأسارىمن أعظم الواجبات, وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات" (3)
جاء في " لابن الجوزي: (يجب إستنقاذهم - أي الأسارى – من يد الكفّار بالقتال فإذا عجز المسلمون عنه وجب عليهم الفداء بالمال) (4)
وقال ابن حجر الهيتمي : ( ولو أسروا مسلما فالأصح وجوب النهوض إليهم فوراً على كل قادر )(6)
****************************************
1-رواه البخاري ومسلم ، العاني : الأسير
2- فتح الباري6/205
{635/28] الفتاوى 3-
4- القوانين الفقهية ص172
6- تحفة المحتاج : 9/237 ]
و في المبسوط للسرخسي الحنفي ( من وقع أسيراً في يد أهل الحرب من المؤمنين و قصدوا قتله يفترض على كل مسلم يعلم بحاله أن يفديه بماله إن قدر على ذلك ، و إلا أخبر به غيره ممن يقدر عليه و إذا قام به البعض سقط عن الباقين بحصول المقصود ) (1).
و قال الإمام النووي رحمه الله بعد أن ذكر وجوب الجهاد لتحرير الأسرى : ( و الفداء بالمال واجب إن استطعنا تخليص الأسرى به )(2)
و قال ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله : ( و يجب فداء أسرى المسلمين إذا أمكن ، و بهذا قال عمر بن عبد العزيز ، و مالك ، و إسحاق ، و يروى عن ابن الزبير أنه سأل الحسن بن علي : على من فكاك الأسير ؟ قال على الأرض التي يقاتل عليها )(3)
و حكى ابن حزم الإجماع عليه فقال ( و اتفقوا أنه إن لم يُقْدَر على فك المسلم إلا بمال يعطاه أهل الحرب ، أن إعطاءهم ذلك المال حتى يفك ذلك الأسير واجب )(4)
ومما سبق يتبين لك أخي في الله ان قضية أسرى المسلمين ليست مشكلة دولة من الدول أو جماعة من الجماعات و لكنها مشكلة الأمة الإسلامية بأسرها كل حسب إستطاعتة و قد جرت سنة النبي صلي الله عليه وسلم وكذلك السلف الصالح علي إنقاذ الأسري وتخليصهم من العدو والتاريخ مكتظ بقصص السلف الصالح ونخوتهم وعزتهم ولكن المسلمون اليوم جهلوا ماضيهم المشرف لذا قمت بفضل الله وحده بجمع القصص الخاصة بجهود المسلمين المبذولة لتحرير الاساري بشتي الوسائل فالوسائل المشروعة لفك الاساري كثيرة منها فك الأساري بالمال أو بالمفادة أو بالنفير للجهاد او بالدعاء او بالتحريض علي مفادة الأساري وذكرت الدور الذي قام به الأغنياء والقادة والعلماء و الأدباء والشعراء في سبيل تحرير الأساري ، وهذا ما سوف نتناوله بشيء من التوضيح بإذن الله تعالي في هذا الكتيب فبين يديك أخي الكريم بعض من مواقف السلف فى قضية فك الأسارى كلها قصص واقعية حدثت في زمن العزة يوم أن خرجت الجيوش الإسلامية لتحرير إمرأة أسيرة أو رجل أسير أسأل الله أن ينفع بها من قرأها ومن كتبها ومن ساهم في نشرها إنه ولي ذلك والقادر عليه (ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ) (5)
**********************************************
1-المبسوط للسرخسي الحنفي [ 30 / 271 ]
2- الروضة : 10/216
3- المغني : 9 / 228
4- مراتب الإجماع ، ص : 122 ] 5- البقرة
5استفدت من بعض المواقع الاسلاميه في جمع المقدمه
إرسال تعليق