آخر فرسان الأندلس
مولاى عبد الله محمد
لم تكن الدموع التى زرفها الأمير عبد الله الصغير وهو يسلم مفتاح غرناطة آخر معاقل المسلمين فى الأندلس هى الدموع الأخيرة للمسلمين، ولكنها بداية المأساة فما كانت دموع عبد الله الصغير إلاكالقطرات بالنسبة لسيل الدموع الذى أعقبها وذلك لأن ملك الصليبيين فرناند وإيسا بيلا ملكى أسبانيا الذين قطعوا العهود والمواثيق بالتسامح مع المسلمين وبعدم إجبار المسلمين على ترك الإسلام، ورغم كل العهود والمواثيق التي قطعها النصاري علي أنفسهم إلا أن النصارى غدروا بالمسلمين ونقضوا كل العهود والمواثيق بأمر من البابا وصدق الله العظيم إذ يقول " قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر " وغدر النصاري بالمسلمين في الاندلس لم يكن من سبيل المصادفة ،ولم يكن أبدا أخطاء فردية كما يزعم كثير من النصاري اليوم ؛ ولكن ما حدث للمسلمين في الأندلس الوجة الحقيقي للديانة النصرانية فالنصارى لا يوجد فى عقيدتهم تسامح مع الأعداء، كما يزعمون ولكن يوجد القتل وسفك الدماء لكل من خالفهم وتاريخهم الأسود يشهد بذلك وكتبهم المقدسة المحرفة خير دليل علي جرائمهم جاء في انجيل لوقا "198 : 27 " أما أعدائى أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم ، فأتوا بهم إلى هنـــــــــــــــــــــــا وإذبـــحوهـم قـدامى ومن هذا الدليل يتبين لك أنه ليس عند النصارى حرية إعتقاد ولا جزية كما فى الإسلام ليس عندهم إلا الذبح لمن خالفهم أو قتله بأى طريقة لا تمتد إلى الإنسانية بصلة مثل الحرق مثلاً وذلك قد جاء صريحاً فى سفر التثنية الأصحاح 13 رقم 15 ، 16 " قتل الكفار وحرق ممتلكاتهم " وجاء أيضاً فى سفر التثنية الإصحاح 13 : 10 الإصحاح 17 : 5 " رجم الذى يعبد غير الله سبحانه وتعالى حتى الموت أمام شهود " وقد يظن من لا عقل له أن المسلمين غير مقصودين بهذا الدليل لأنهم يعبدون الله تعالى وأنا أقول له ياأخى الفاضل إن كل مسلم متبع للنبى محمد صلى الله عليه وسلم هو عند النصارى كافر لأنه لا يعبد المسيح مثلهم فهذا هو إلههم المعبود والعياذ بالله قال الله جل في علاه ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح عيسى بن مريم ) وقال جل في علاه ( لقد كفر الذين قالو ان الله ثالث ثلاثة )وبعد هذه الأدلة التي أوردتها من كتبهم فليس من الغريب أن يغدر الملك الصليبى فرناندو بالمسلمين فى غرناطة وذلك عندما أمر " خمنيس " مطران طليطلة ورأس الكنيسة الأسبانية بمهمة تنصير المسلمين بالأندلس فقام هذا القس على الفور بعمل محاكم التفتيش وذلك فى عام 905 هـ وكان أول عمل قام به ذلك الرجل المجرم هو أن جمع المصاحف وكتب العلم الإسلامية، وأحرقها فى ميدان عام ثم أمر بتحويل كل المساجد إلى كنائس ثم جمع الفقهاء والعلماء المسلمون وأجبرهم على الدخول فى النصرانية فوافق بعضهم مكرهاً وأبى الباقون فقتلوا شر قتلة ومثلوا بجثثهم" وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد " وفى عام 906 هـ أصدر الملك الصليبى فرناندو مرسوما بوجوب إعتناق المسلون النصرانية فهب المسلمون للدفاع عن دينهم وقاموا بالثورات لكنهم كانوا عزلاً من السلاح فقمع الصليبيون الثورات وقتلواالرجال وسبوا النساء أما الأطفال دون الحادية عشرة فقد تم تنصيرهم وبدأ كثير من المسلمين يتظاهرون بالنصرانية ويبطنون الإسلام فأطلق عليهم اسم " الموريسيكين "وهى كلمة أسبانية بمعنى المسلمين الأصاغر أو العرب المتنصرين هذا وقد ظل المسلمون على دين الإسلام ولكن سراً فكانوا يصلون ويقرأون القرآن ويحفظوه لأولادهم ولكن سراً وكان ذلك سبب فى إضطهادهم على يد الخبيث خمنيس الذى زج بالآف من المسلمين الموريسيكين إلى محاكم التفتيش وما أدراك ما محاكم التفتيش وما فيها من العذاب والتنكيل ، فقال الشاعر :
أمور لو تأملهن طفل ****لطفل فى معارضة المشيب
وكان من يشك فى صدق تنصيره أو يشك فى حنينه إلى الإسلام يهدر دمه ويقتل بطريقة بشعة غالباً منها الحرق وهم أحياء وإلقائهم للسباع تنهش لحومهم وهم أحياء والتمثيل بجثثهم والعياذ بالله وقد ظل هذا الوضع قائماً فى الأندلس إلى أن تولى الإمبراطور " فيليب الثانى " وإصدر أمراً بمنع اللغة العربية والملابس العربية وعندها قامت ثورة الموريسيكين وأستعدوا للموت دفاعاً عن ما تبقى من دينهم وأختارو أميراً لهم اسمه " محمد بن أمية " وهو يرجع أصله إلى بنى أمية الخلفاء كإشارة إلى إستعادة الخلافة ودولة الإسلام فى الأندلس مرة أخرى ، ودارت كثير من المعارك مع الصليبيين انتصر فيها المسلمون أكثر من مرة وجاء المجاهدون من المغرب لنصرة إخوانهم فى الأندلس وانضمت فرقة عثمانية كانت فى تونس إلى المسلمين بالأندلس وقويت شوكة المسلمين ولكن و دون سابق إنذار إمتدت يد الغدر والخيانة وقتل الأمير محمد بن أمية على أيد أحد المنافقين الذين كم أذاقوا المسلمين الويلات من أجل الدنيا الفانية ( فترى الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم نادمين (
وبعد مقتل محمد بن أمية تولى بعده ابن عمه " مولاى عبد الله محمد الأموى " ورفع راية الجهاد رغم قلة العتادوكثرة الفساد رفع رايه الجهاد ولسان حاله يقول
قمت كي أرضي ضميري لن أذل إلى حقيـــــر
لن أخاف من المـــــــنايا أو أبالي بالمصـــــير
لن أضن على كتـــــــاب الله بالمال الوفــــير
سأجلجل في الأعـــــــادي والأراذل كالهصـــور
إن نفوني في الحرور فأنا نبت الصخور
أو رموني في الفيافي فأنا خل الصقور
أو أبو أكلي وشربي فأنا مثل النسور
قوتها شئ قلــــــــيل لا تروم إلى كثير
وكان مولاي عبدالله أكثر فطنه وتدبيرا من محمد بن أمية وحمل الجميع على أحترامه ونظم جيشاً اسلاميا وجعله يفوق تنظيم الجيش الصليبى الأسبانى وأستولى على عدة مدن وذلك ما جعل ملك الصليبين يشعر بالخطر فأعد جيشا ًضخماً وحاصر الثوار المسلمين فى بلدة جليرا ودارت معركة رهيبة أبدى فيها المسلمون بسالة رائعة ولكن كانت الدائرة عليهم لأمر يريده الله وهزم المسلمون ودخل الصليبيون بلدة جليرا وقتلوا كل من فيها حتى النساء والأطفال وفر المجاهدون إلى الجبال فطاردهم الصليبيون بقيادة الدون خوان ولكنه وقع فى كمين للمسلمين فى شعب الجبال عند مدينة بسطة وأوقع المسلمون بهم هزيمة فادحة جعلت ملك الصليبين يفكر فى الصلح مع المسلمين فقام ملك الصليبين بعرض خطة للسلام أقصد الإستسلام .
مبادرة السلام:
عرضت الحكومة الأسبانية على المسلمين الثائرين معاهدة سلام لإنهاء القتال فبعث الدون خوان إلى أحد الثائرين واسمه" الحبقى " للتفاوض معه على شروط المعاهدة وكانت شروط المعاهدة تتضمن وقف انتفاضة المسلمين مقابل وعد الملك الصليبى بالعفو عن جميع الموريسيكين الذين يقدمون خضوعهم فى ظرف عشرين يوماً من إعلانه ولهم أن يقدموا تظلمهم وشكواهم مع الوعد بالبحث فيهما ودراستها " وما يعدهم الشيطان إلا غروراً " وكل من رفض العفو أو الخضوع للسلطة سيقتل ما عدا النساء والأطفال دون سن الرابعة عشر " بالطبع لأنهم سوف ينصرونهم فهم غنيمة لهم " فرفض الأمير مولاى عبد الله هذه المعاهدة
فالصليبيون لا عهد لهم ولا ذمة، وقرر مواصلة الجهاد ولكن الحبقى شق عصا الطاعة وذهب بسرية من الفرسان إلى معسكر الصليبين، وقدم الخضوع والذل لقائدهم " الدون خوان " وكانت نتيجة هذه الخيانة أن مجلس قيادة الثوار قرر إعدام الحبقى وأعلن مولاى عبد الله أنه لن يتوقف عن القتال حتى الموت وأنه يؤثر أن يموت مسلماً مخلصاً لدينه على أن يعيش فى ذل وهوان وزادت ثورة المسلمين فقام النصارى بمذابح وحشية ضد الموريسيكين ففر كثير من الموريسيكين إلى إخوانهم فى إفريقيا لينجوا بدينهم فأصدر الملك فليب الثانى أمراً بنفى المسلمين من غرناطة إلى الداخل فى الأندلس ومصادرة أموالهم ومنعهم من السفر خارج البلاد بإعتبارهم نصارى وسيق المسلمون كالقطعان لمسافات طويلة حيث الجوع والعطش والمرض ثم وضعوا فى معسكرات جماعية حيث المتابعة والرقابة الدائمة وعين لهم مشرفاً خاصاً يتولى شئونهم ووضعت لهم جملة من القيود من يخالف أدناها يقتل شر قتلة "
نهاية البطل:
بعد هزيمة مولاى عبد الله لم يهادن الكفار على حساب دينه و لم يفر إلى بلاد المغرب كما فعل غيره ولم ييأس و يتكاسل و يفشل كما فشل غيره و لكنه تحصن بالجبال و شن حرب عصابات ضد الحاميات الأسبانية المنتشرة بغرناطة ، متمثلا ذلك في قول عنترة:
أروم من المعالي منتهاها ..... و لا أرض بمنزلة دنيـــة
فإما إن أشال على العوالى ..... و إما أن توسدني المنية
لقد أوقع مولاى في الأسبان خسائر فادحة بسبب حرب العصابات ، و لكن أنهكت قوى جيش مولاى لقلة الإمدادات من المال و الرجال و السلاح ، و قد حاول الصليبيون القضاء عليه أكثر من مره لكنهم فشلوا ، فلجأوا إلى الخيانة ، فلقد استطاعوا أن يستقطبوا أحد ضباط مولاى عبد الله و أغروه بالمال و العفوا الشامل إن هو استطاع أن يسلمهم مولاى عبدا لله حيا أو ميتا ، فدبر هذا الضابط الخائن خطة لاغتيال مولاى عبد الله و هجم الخائن و معه بعض أعوانه على البطل الذي و واجههم في معركة غير متكافئة ، و سقط البطل فيها شهيداً ، فقام الخونة بفعله شنيعة حيث القوا جسد البطل من فوق الصخور لكي يراها الجميع و ليعلم أسيادهم الأسبان بنجاح مخطط الغدر و الخيانة ، ثم سلموا جسده إلي الأسبان مقابل ثمن بخس دراهم معدودة و كانوا فيه من الزاهدين .
فقام الأسبان بحمل جثة مولاى عبد الله على بغل إلى غرنا طة ، و هناك استقبلوه في حفل ضخم حضره الكبار و الصغار و الرجال و النساء، و رتبوا موكبا أركبت فيه الجثه مسندة إلى بغل و عليها ثياب كاملة كأنه إنسان حي و من ورائها أفواج من الموريسيكين الذين استسلموا عقب اغتيال زعيمهم ، ثم حملت الجثة إلى نطع و أجري فيها حكم الإعدام ، فقطعت الرأس ثم جرت في شوارع غرناطه مبالغة في التمثيل و التنكيل و مزقت أربعا و أحرقت في الميدان الكبير و وضع الرأس في قفص من حديد و رفع فوق سارية تجاه جبل البشرات مقر الثوار و الأمر لله العزيز الجبار ورحمة الله علي هذا البطل المغوار(1)
ولله در القائل :
قتلوك ظلما واعتدوا ** في فعلهم حد الوجوب
ورموك أشلاء وذا ** أمر قضته لك الغيوب
إن لم يكن لك سيدي ** قبر فقبرك في القلوب
أخي في الله : هكذا كان أبطال الاسلام في زمن العزة كانو يرون أن الموت أهون من الإستسلام للأعداء .... كانوا يرون أن الموت أهون من حياة الذل والخذلان ....بل كانوا يفضلون الموت في سبيل الله علي الحياة وكما قال أحدهم :
(وما طلبوا سوي قتلي ..فهان علي ما طلبوا)
قال تعالي: ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين ( (العنكبوت 1)
هكذا كانت نهاية البطل الذي رضع العزة والكرامة منذ نعومة أظافره وصدق الشاعر مسفر العرجاني عندما قال:
طفولتنا بإسلام الكرامة تعلمنا البسالة والشهامة
تعلمنا بأن الصبر نصر إذا جر اللعين لنا لئامه
تمسكنا بدين الله حتى أرينا الظالمين به الندامة
فلا والله لن نرضاه دينا إذا رسم العدو لنا نظامه
ولا والله لن نرضى اتباعالدين حللوا فينا حرامه
سنمضي لا نبالي بالمنايافإما الموت أو عيش الكرامة
*************************************
1- موقع طريق الاسلام نقلا من مفكرة الاسلام بتصريف
إرسال تعليق