سوء الظن
سوء الظن بالمسلمين عامة جريمة عظمى
قال تعالى : " وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) سورة الأنعام .
والمراد بالنهي عن ظن السوء كما قال الخطابي هو تحقيق الظن وتصديقه دون ما يهجس في النفس فإن ذلك لا يملك .
قال النووي ومراد الخطابي أن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر فإن هذا لا يكلف به ومعناه احذروا إتباع الظن واحذروا سوء الظن بمن لا يساء الظن به من العدول ، والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل (1)
ولخطورة سوء الظن حذر السلف منه
قال بكر بن عبد الله المزني كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: \" إيَّاك من الكلام ما إن أصبتَ فيه لَم تُؤجَر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظنِّ بأخيك ".
وقال أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ( إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك؛ فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعلَّ لأخي عذراً لا أعلمه)(2)
وعن سعيد بن المسيب قال: كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله أنْ ضعْ أمر أخيك على أحسنه، ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًا، وأنت تجد لها في الخير محملاً(3)
****************************
1- انظر : شرح النووي على مسلم 8/357
2-الحلية لأبي نعيم (2/285):
3- التدوين في أخبار قزوين (ج 1 / ص 178) أخرجه البيهقي في الشعب (6/323)
هذه هي وصية الصحابة رضي الله عنهم وهي أن نحسن الظن بالمسلمين وليت الشباب يتعلمون من هذه الوصية ولكن للأ سف بعض الشباب إذا سمع كلمة من شيخ على غير طريقته تجده يطير بالكلمة ويفهمها كما يريد ولو أن الكلمة لها ألف وجه حسن ووجه قبيح سوف يذيع الوجه القبيح ويكتم الحسن فهم كما قال الشاعر
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا * * * مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * * * وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
ولو كان هذا الشباب ملتزم بالشريعة لأحسن الظن بالشيخ ولاقتدى بالسلف الصالح الذين كانوا يوقرون أهل العلم ويتجاوزون عن أخطائهم ويحسنون الظن بهم قال عمر بن حفص : سمعت أبي ، قالوا ، له : يا أبا عمر أما ترى أصحاب الحديث كيف تغيروا ، كيف قد فسدوا ؟ قال : ( هم على ما هم خيار القبائل( (1)
وقال عثمان بن أبي شيبة ، يقول ، وكان قد رأى بعض أصحاب الحديث يضطربون ، فقال : أما إن فاسقهم خير من عابد غيرهم (2)
قال لي أحد الشباب إن الشيخ الفلاني يرائي أو يعمل للدنيا وأن علمه ليس لله ؟
فقلت له وما أدراك أشققت عن قلبه أم اطلعت علي اللوح المحفوظ فعلمت أن هذا الشيخ من أول ثلاثة تسعر بهم النار ! اتق الله وأحسن الظن بالمسلمين
فقال أنا عندي قرائن تؤيد صدق ظني
فقلت إن كنت ترى ظنك لا محالة واقع في محله فتذكر قول
معمر بن راشد :
أن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى العلم حتى يكون لله .
وقال يحيى بن يمان ،: « ما كان طلب الحديث خيرا منه اليوم ، قلنا يا أبا عبد الله إنهم يطلبونه ، وليس لهم نية ؟ قال : طلبهم إياه نية(3)
فأحسن الظن أخى واعلم أن لك الظاهر ولله الباطن
*************************
1- شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي - (ج 1 / ص 110)
2- شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي - (ج 1 / ص 114(
3- شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي - (ج 1 / ص 226)
جاء في أخبار غرناطة أن فقيهً خاصم عند أسلم بن ابان رجلاً في خادم أغربها وجاء بشاهد أتى به من إشبيلية، فقال يا قاضي هذا شاهدي فاسمع منه، فصعد أسلم في الشاهد وصوب، وقال أمحتسب، أو مكتسبٌ أصلحك الله، فقال الشاهد أحسن الظن أيها القاضي، فليس هذا إليك، هذا إلى الله المطلع على ما في القلوب، ولم تقعد هذا المقعد لتسأل عن هذا وشبهه، وإنما عليك الظاهر، وتكل الباطن إلى الله، فإن شئت، فاسمع الشهادة كما يلزمني أداؤها، ثم أقبلها أو اضرب بها الحائط. وفي رواية أخرى، وليس لك أن تكشف الستر المنسدل بينك وبيني، فإن هذا التفسير للشهود يوقف عن الشهادة عندك، ويعرض ، وفي ذلك من ضياع الحقوق ما لا يخفي، فأخجل أسلم كلامه، وقال له، لك ما قلت، فأد شهادتك يرحمك الله. قال، فأين الخادم تحضر حتى أشهد على عينها، قال أسلم وفقيهٌ أيضاً؟ هاتوا الخادم، فجاءت من عند الأمين، فلما مثلت بين يديه، نظر منها ملياً، ثم قال، أعرف هذه الخادم ملكا لهذا الرجل، لا أعرف ملكه زال عنها بوجه من الوجوه، إلى حين شهادتي هذه، سلامٌ على القاضي، ثم خرج، فبقى أسلم متعجباً منه(1)
وأخير أختم بقصة لعمربن عبد العزيز مع رجل خارجي لنتعلم منه احسان الظن بالمسلمين وأدب الحوار مع المعارضين
فقد كان أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز يضرب به المثل في التقوى والعدل في الرعية حتي مع المخالفين ففي عهد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز خرج عليه رجل يسمى بسطام من بني يشكر وكان ذلك الرجل في ثمانين رجلا فقط فماذا فعل عمر بن عبد العزيز مع بسطام؟
هل أرسل اليه جيشا ليفتك به ؟
هل أمر بصلبه وقتل أهله ليكون عبرة لغيره ؟
لا والله إن عمر بن عبد العزيز رجل يحسن الظن بالمسلمين حتى مع المعارضين لحكمه والخارجين عليه ؟
فهو رجل صالح يخاف أن يسئ الظن بمسلم فيقتص منه يوم القيامة ولهذا أرسل عمر بن عبد العزيز رسالة إلي أمير الخوارج بسطام قال فيها : " بلغني أنك خرجت غضبا لله ورسوله ولست أولى بذلك مني فهلم إلى أناظرك فان كان الحق بايدينا دخلت فيما دخل به الناس " يقصد البيعة " وإن كان في يدك نظرنا في أمرك .
فرد بسطام قائلا : قد أنصفت وبعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرانك وأرسل الخرجى إلى عمر رجلين رجل حبشيا يسمى عاصم ورجل من بني يشكر فقدما على عمر ودخلا عليه فقال لهما عمر : ما أخرجكما هذا المخرج وما الذي نقمتم علينا ؟ فقال عاصم مانقمنا سيرتك إنك لتتحرى العدل والإحسان فأخبرنا عن قيامك بهذا الأمر أعن رضا من الناس ومشورة أم إبتززتم أمرهم ؟
******************************
1- الإحاطة في أخبار غرناطة - (ج 1 / ص 100(
فقال عمر : ما سألتهم الولاية عليهم ولا غلبتهم عليها وعهد إلى رجل مبتلى فقمت ولم ينكره على أحد ولم يكرهه غيركم وأنتم ترون الرضا من الناس فإن خالفت الحق فلا طاعة لي عليكم . قال عاصم : بيننا وبينك امر واحد . قال عمر : ما هو ؟
قالا : رأيناك خالفت أعمال أهل بيتك وسميتها مظالم فان كنت على هدى وهم على ضلالة فالعنهم وأبرا منهم .
قال عمر : قد علمت أنكم لم تخرجوا طلبا للدنيا ولكنكم أردتم الآخرة فأخطأتم طريقها إن الله عز وجل لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعانا وقال إبراهيم " فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم "
وقال عز وجل " أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده " وقد سميت أعمالهم ظلما وكفى بذلك ذما ونقصا وليس لعن أهل الذنوب فريضة فإن قلت أنها فريضة فأخبرني متى لعنت فرعون
فقال عاصم : لا أذكر متى لعنته .
فقال عمر : أيسعك أن لاتلعن فرعون وهو أخبث الخلق وأشرهم ولا يسعني ألا ألعن أهل بيتي وهم مصلون صائمون .
قال عاصم : أما هم كفار بظلمهم ؟.
قال عمر : لا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى الإيمان فكان من أقر به وبشرائعه قبل منه فان أحدث أقيم عليه الحد .
فقال الخارجي : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى توحيد الله والإقرار بما نزل من عنده قال عمر : فليس أحد منهم يقول لا أعمل بسنة رسول الله ولكن القوم أسرفوا على انفسهم علي علم منهم أنه محرم عليهم ولكن غلب عليهم الشقاء .
فقال عاصم : فابرأ مما خالف عملك ورد احكامهم . فقال عمر :أخبرني عن أبي بكر وعمر أليسا على الحق
قال عاصم : بلى .
فقال عمر : أتعلم أن أبا بكر حين قاتل أهل الردة سفك دماءهم وسبى الذراري وأخذ الأموال ؟
فقال عاصم : بلى
قال عمر : أتعلمان أن عمر رد السبايا بعده إلى عشائرهم بفدية .
قالا : نعم
فقال عمر : فهل برئ عمر بن الخطاب من أبي بكر ؟
قالا : لا
قال عمر : أفتبرأون أنتم من أحدهما ؟
قالا : لا
قال عمر : فأخبراني عن أهل النهراوان وهم أسلافكم . هل تعلمون أن أهل الكوفة خرجوا فلم يسفكوا دماءكم ولم يأخذوا مالا وأن من خرج إليهم من أهل البصرة قتلوا عبد الله بن خباب وجارته وهي حامل ؟
قالا : نعم .
قال عمر : فهل برئ من لم يقتل ممن قتل .
قالا : لا
قال عمر : أفتبرأون انتم من أحد من الطرفين ؟
قالا : لا .
قال عمر : " أفيسعكم أن تتولوا أبابكر وعمر وأهل البصرة والكوفة وقد علمتم إختلاف أعمالهم ولا يسعني إلا البراءة من أهل بيتي والدين واحد فاتقوا الله فإنكم جهال تقبلون من الناس مارد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتردون عليهم ما قبل ، ويامن عندكم من خاف عنده ويخاف عندكم من آمن عنده فانكم يخاف عندكم من شهدأن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله وكان من فعل ذلك عند رسول الله أمن وحقن دمه وماله وأنتم تقتلونه ويامن عندكم سائر أهل الأديان فتحرمون دماءهم وأموالهم ".
وبعد هذه المناظرة . قال عاصم لعمر: أشهد أنك على حق وتاب إلى الله .
وما هي إلا أيام قليلة ومات عمر بن عبد العزيز رحمه الله قبل أن يصل عاصم وصاحبه إلى قائد الخوارج بسطام وتولى بعد عمر يزيد فلم يمهل بسطام حتى يراجع الرسل بل أرسل إليه جيشا ليقضي عليه ففتك بسطام بجيش يزيد فأرسل يزيد جيشا ثانياً فقضى عليه بسطام وقتل قائده فأرسل يزيد جيشا ثالثا فهزم أيضا فأرسل يزيد جيشا رابعا فهزم فأرسل جيشا خامسا فإنتصر على بسطام وقتله وقضى على فتنته ولكن بعد أن قتل آلاف من المسلمين وإنا لله وإنا إليه راجعون .
شتان شتان بين إسلوب عمر ويزيد فى القضاء على الخوارج فعمر أحسن الظن بالخارجي وتأدب معه في الحوار فامتلك قلب الخارجي لدرجة كبيرة حتى أن قائدالخوارج بسطام عندما مات عمر بن عبد العزيز حزن عليه وقال : مات الرجل الصالح ، اما يزيد فأساء الطن واستخدم القوة المفرطة فلعنه الخوارج ولعنوا أصحابه وقاتلوهم باستماته وانتصرو عليهم اكثر من مرة (1) فتعلم من الخليفة عمر حسن الظن بالمسلمين المخالفين وتعلم أدب الحوار مع المعارضين
ولله در القائل
( لا يكن ظنك إلا حسنا *** ان سوء الظن من طبع اللئام )
( وكفى في ذمه لو عقلوا *** أنه نقص وأثم وحرام )
فيا محسن الظن بنفسه ومسئ الظن بغيره اما ان لك ان تتوب و ترجع الي ربك و تؤب وتكف عن العلماء لسانك المعيوب وتعدنفسك عاصيا من اهل الذنوب بل قل فاسقا بعد الكمال وسبحان مقلب القلوب
وأخيرا أوصيك أخي ألا تشغل نفسك بسوء الظن ولا بمن يسىء الظن بك وامضي في طريقك إلي ربك ولا تلتفت فالطريق طويل والعمر قصير
قال الشيخ أبو عثمان سعد ابن الشيخ الصالح
دع من يسيء بك الظنون ولا ** تحفل به إن كنت ذا همه
من لم يحسن ظنه أبدا ** بك فاطرحه تكتفي همه (2)
4- سوء الادب وبذاءة اللسان
قال أبو سنان الأسدي رحمه الله تعالى:
"إذا كان طالب العلم قبل أن يتعلم مسألة في الدين يتعلم الوقيعة في الناس، متى يفلح؟!"؛ (ترتيب المدارك: 2/ 14).
بذاءة اللسان هي داء الإنسان الذي نشأ وتربى في بيئة غير صالحة وهذا الإنسان وإن التزم بشرع الله ظاهرا إلا أن صفات الجاهلية قد تغلب عليه خاصة إن كان قلبه بالحقد امتلأ حتي طفح فيطفح علي بنانه وينطق بالسب والشتم لسانه وأحسن أحواله هو أن ينتقص العلماء بغير سب وقذف! سمعت عن أحد المبتلين ببذاءة اللسان يصف أحد العلماء بأنه كلب هزيل وأخر يدعي العلم ويصف العلماء بالمنافقين والكاذبين وغير ذلك كثيراً من الافتراء والبذاءات وما يدري المسكين أن حسناته قد طارت وسيئات غيره اليه قد صارت
ولست أدري الم يسمع هؤلاء الاخوة بالحديث الذي
*********************
1- كتاب الكامل لابن الاثير ج3 حوادث سنة 100 بتصرف
2-نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب -(5/543)
رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمُ مَن سلم المسلمون من لسانه ويده"
وقال سفيان بن حسين: "ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال: أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا، قال: فالسِّند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفَتسلَم منك الروم والسِّند والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟! قال: فلَم أعُد بعدها"(1)
لقد صدق والله اياس بن معاوية لقد سلمت اليهود عباد عزير والنصاري عباد المسيح بل حتى عباد البقر والوثن سلموا من ألسنة هؤلاء الاخوة ولم يسلم منهم علماء الإسلام فيا من تسب العلماء أما تستحي أن يسلم منك عباد الصلبان ولا يسلم منك عباد الرحمن
أما علم أولئك الاخوة أن الله حرم السب حتى للحيوان و الطير فضلا عن العلماء وأهل الخير فعن زيد بن خالد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة"سبحان الله لا نسب الديك لانه يوقظ للصلاة فمبا بالكم بمن يقيم الصلاة وركع ويسجد لله ألايكون أولا بكف اللسان عنه من الديك
إن كثير من الشباب اليوم بحاجة إلى الأدب أكثر من حاجتهم للعلم
قال الليث بن سعد )أنتم إلى يسير من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم( (2)
أما آن لشباب الاسلام أن يتعلموا الأدب من سلفهم الصالح أما آن لنا أن نتعلم الأدب ممن هم أكثر منا حبا للاسلام وغيرة عليه ونصرة له
فان زعمت يامن تسب العلما ء أن الجرح والتعديل جائز لذلك أن تسب وتشتم
أقول لك ومن أنت حتي تجرح وتعدل في أهل العلم ثمة مسأله أخري وهي أن إمام الجرح والتعديل البخاري لم يسب أحد ولم يغتب أحد فتعلم الأدب من إمامك وإمامنا "البخارى"
قال الحافظ ابن حجر: " للبخاري في كلامه عن الرجال توق زائد وتحر بليغ، يظهر من تأمل كلامه في لجرح والتعديل، فإن أكثر ما يقول: سكتوا عنه، فيه نظر، تركوه، ونحو ذلك، وقل أن يقول كذاب أووضاع وإنما يقول: كذبه فلان، ورماه فلان، يعني بالكذب "(3)
ونقل عن البخاري أنه قال: " لا يكون لي خصم في الاخرة، فقال محدثه وراوي الخبر: إن بعض الناس ينقمون عليك التاريخ، يقولون فيه اغتياب الناس ؟ فقال: إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " بئس أخو العشيرة ".(4)
**************************
1- البداية والنهاية لابن كثير (13/121).
2- شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي - (ج 1 / ص 315)
3- التاريخ الصغير - (ج 1 / ص 19)
4- التاريخ الصغير - (ج 1 / ص 19)
وقال الامام البخاري
" ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة حرام "(1)
و قال الذهبي في " ميزانه " في ترجمة " عبد الله بن داود الواسطي ": قال البخاري: " فيه نظر " ولا يقول إلا فيمن يتهمه غالبا.(2)
وقال أيضا في ترجمة البخاري في كتابه " سير أعلام النبلاء "، قال بكر بن منير: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا، قلت: صدق رحمه الله، ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه، فإنه أكثر ما يقول: " منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر، ونحو هذا، وقل أن يقول: فلان كذاب، أو كان يضع الحديث، حتى أنه قال: إذا قلت: فلان في حديثه نظر فهو متهم واه.
وهذا معنى قوله: " لا يحاسبني الله أني اغتبت.
وأخيرا:
احذرأيها الساب أن تقذف في النار بسبب كلمة قلتها في حق مسلم فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ العبدَ ليتكلَّم بالكلمة ما يتبيَّن ما فيها، يهوي بها في النار أبعدَ ما بين المشرق والمغرب"(3) وروى مسلم في صحيحه (2581) عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون مَن المُفلِس؟ قالوا: المُفلِسُ فينا مَن لا دِرهم له ولا متاع، فقال: إنَّ المفلسَ من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيَتْ حسناتُه قَبْل أن يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثمَّ طُرح في النار".(4)
فاحفظ لسانك أيها المسكين فرب كلمة أردت صاحبها قعر الجحيم
( نعوذ بالله من شر اللسان كما ** نعوذ بالله من شر البريات )
( يجني اللسان على الإنسان ميتته ** كم للسان من آفات وزلات )
*******************
1- التاريخ الصغير - (ج 1 / ص 19)
2-التاريخ الصغير - (ج 1 / ص 21)
3- رواه البخاري في صحيحه (6477) ومسلم في صحيحه (2988
4- رواه مسلم في صحيحه (2581)
إرسال تعليق