1- الملائكة جنـــــــــد اللـــه
قال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبّكَ إِلاَّ هُوَ} (1)
قال عطاء: "يعني: من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار، لا يعلم عدتهم إلا الله"(2) وقال السّعدي: "فإنه لا يعلم جنود ربك من الملائكة وغيرهم {إِلاَّ هُوَ}، فإذا كنتم جاهلين بجنوده، وأخبركم بها العليم الخبير، فعليكم أن تصدقوا خبره، من غير شك ولا ارتياب(3)
والملائكة تقوم بعدة أدوار هامة في المعركة ذكرها الله عزوجل في كتابة وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة ومن الأمور التي تقوم بها الملائكة في المعركة
مساعدة المؤمنين في قتال الكفار:
- قال الله جل وعلا: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ مُرْدِفِينَ}(4) وعن عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مدّ يديه فجعل يهتف بربه: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تُهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض))، فما زال يهتف بربه ماداً يديه مُستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ مُرْدِفِينَ}، فأمده الله بالملائكة.
قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجلٍ من المُشركين أمامه إذ سمع ضربةً بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزُوم، فنظر إلى المُشرك أمامه فخر مستلقياً، فنظر إليه فإذا هو قد خُطم أنفه، وشق وجهه كضربة السوط، فاخضرَّ
ذلك أجمع. فجاء الأنصاري فحدّث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة))، فقتلوا يومئذ سبعين. وأسروا سبعين(5)
و قال ابن جرير الطبري: "ومعنى قوله: {تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} تستجيرون به من عدوكم، وتدعونه للنصر عليهم، {فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ} يقول: فأجاب دعاءكم بأنيِّ ممدّكم بألف من الملائكة يُرْدِف بعضهم بعضاً، ويتلو بعضهم بعضاً"(6) وقال القرطبي: "الناس الذين قاتلوا يوم بدر أُردِفوا بألفٍ من الملائكة، أي: أُنزلوا إليهم لمعونتهم على الكفار"(7) وقال السعدي: "أي: اذكروا نعمة الله عليكم، لما قارب التقاؤكم
************************************
1- المدثر:31
2- معالم التنزيل (8/271)، فتح القدير (5/463).
3- "تيسير الكريم الرحمن (ص 897).
4- الأنفال:9
5- أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم (1763).
6- جامع البيان (13/409).
7- الجامع لأحكام القرآن (7/370-371).
بعدوكم، استغثتم بربكم، وطلبتم منه أن يعينكم وينصركم، {فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ}، وأغاثكم بعدة أمور، منها أن الله أمدكم {بِأَلْفٍ مّنَ ٱلْمَلَـئِكَةِ مُرْدِفِينَ}، أي: يردف بعضهم بعضاً"(1) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قال سبحانه في قصة بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ...}، فوعدهم بالإمداد بألف وعداً مطلقاً، وأخبر أنه جعل إمداد الألف بشرى ولم يقيده... فإن البشرى بها عامة، فيكون هذا كالدليل على ما روي من أن ألف بدرٍ باقية في الأمة، فإنه أطلق الإمداد والبشرى وقدم (به) على (لكم) عناية بالألف" (2) - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: ((هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب))(3) وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان أشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل. [متفق عليه -مرقاة 11/67].
حدثني من اثق به انه شارك في حرب اكتوبر التي كانت بين المصريين واليهود قال انه في اثناء هجوم كتيبته على اليهود كان يرى اعداد كتيبته تتضاعف ويرى جنود لا يعرفها فاذا انتهت الهجمة ووقف كل واحد مكانه لم يجد احد الا زملائه فقلت لعلها مدد من السماء
ومن الامور الهامة التي تقوم بها الملائكة تبشير المؤمنين بالنصر
قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:10]. قال ابن كثير: "أي: وما جعل الله بعث الملائكة وإعلامه إيَّاكم بهم {إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}، وإلا فهو تعالى قادر على نصركم على أعدائكم، {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ} أي: بدون ذلك"وقال الشوكاني: "والضمير في {وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ} راجع إلى الإمداد، المدلول عليه بقوله: {أَنّي مُمِدُّكُمْ}. وقولة: {إِلاَّ بُشْرَىٰ} أي: إلاَّ بشارةً لكم بنصره. {وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ} أي: بالإمداد"فتح(4)
ومن الامور التي تقوم بها الملائكة تثبيت المؤمنين في أرض المعركة
قال الله تعالى: {إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلَـٰئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} (5)
قال البغوي: "{إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلَـٰئِكَةِ}، الذين أمدَّ بهم المؤمنين، {أَنّي مَعَكُمْ}، بالعون والنصر، {فَثَبّتُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} أي: قوُّوا قلوبهم. قيل: ذلك التثبيت حضورهم معهم القتال ومعونتهم، أي: ثبتوهم بقتالكم معهم المشركين. وقال مقاتل: أي بشروهم بالنصر، وكان الملك يمشي أمام الصف في صورة الرجل ويقول: أبشروا فإن الله ناصركم"(6)
*******************************************
1- تيسير الكريم الرحمن (ص 316).
2- الفتاوى (15/37-38).
3- أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب: شهود الملائكة بدراً (3995).
4- القدير (2/422).
5-الأنفال:12 6- معالم التنزيل (3/334).
وقال ابن كثير: "هذه نعمة خفية أظهرها الله تعالى لهم ليشكروه عليها، وهو أنه تعالى وتقدس وتبارك وتمجد أوحى إلى الملائكة الذين أنزلهم لنصر نبيه ودينه وحزبه المؤمنين، يوحي إليهم فيما بينه وبينهم أن يثبتوا الذين آمنوا"(1) وقال السعدي: "وأغاثكم بعدة أمور، ومن ذلك أن الله أوحى إلى الملائكة {أَنّي مَعَكُمْ} بالعون والنصر والتأييد، {فَثَبّتُواْ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} أي: ألقوا في قلوبهم وألهموهم الجراءة على عدوهم، ورغبوهم في الجهاد وفضله"(2) قال الله جل وعلا: {وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ} (3) قال ابن كثير: "أي: وما أنزل الله الملائكة وأعلمكم بإنزالهم إلا بشارة لكم وتطييباً لقلوبكم وتطميناً، وإلا فإنما النصر من عند الله الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم، ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم"(4)
ذكر أبو حامد الأندلسى أن رجلاً صالحاً دخل مدينة بلغار و كان ملكها و زوجته مريضيين ميؤسين من الحياة ، فقال لهم الرجل الصالح إن عالجتكما تدخلان فى الإسلام قالا نعم ، فعالجهما فدخلا فى دين الإسلام و أسلم أهل تلك البلاد معهما فسمع بذلك ملك الخزر الكافر فغزاهم بجنود عظيمة ، لا قبل لهم بها ليردهم عن الإسلام فقال الرجل الصالح لجند الإسلام و كانوا فى قلة " لا تخافوا واحملوا عليهم وقولوا الله اكبر الله اكبر ففعلوا ذلك و هزموا ملك الخزر ثم بعد ذلك صالحهم ملك الخزر و قال لهم "إنى رأيت فى عسكركم رجالاً كبارا ًعلى خيل شهب يقتلون أصحابى .فقال الرجل الصالح " أولئك جند الله الملائكة و صدق الله حيث يقول " بلى إن تصبروا و تتقوا يمددكم ربكم بخمسة الآف من الملائكة مسومين "(5)وقال أبو اليمان البنالى :غزونا مع سنان "القيقان "فجاءنا قوم كثير من العدو فقال سنان أبشروا فأنتم بين خصلتين الجنة و النعيم ، ثم أخذ سبعة أحجار وواقف القوم و قال " إذا رأيتموني قد حملت فاحملوا " فلما صارت الشمس فى كبد السماء رمى بحجر فى وجوه القوم و كبر ، ثم رمى بها حجراً حجراً حتى بقى السابع فلما زالت الشمس عن كبد السماء رمى السابع ثم قال هم لا ينصرون و كبر و حمل و حملنا معه فمنحونا أكتافهم فقتلناهم و سرنا أربعة فراسخ فأتينا قوما من الكفار فروا من المعركة و تحصنوا فى قلعة فقالو لنا و الله ما أنتم قتلتمونا و لا قاتلنا إلا رجال لا نراهم معكم الآن على خيل بلق عليهم عمائم بيض فقلنا "ذلك نصر الله " فرجعنا و الله ما أصيب منا الا رجل واحد .
فقلنا لسنان : واقفت القوم حتى إذا زالت الشمس واقعتهم قال : كذلك فعل النبي صلى الله عليه و سلم قال تعالى " إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مسومين "(6)
***************************
1- تفسير القرآن العظيم (2/304)
2- تيسير الكريم الرحمن (ص 316).
3- آل عمران:126 4- تفسير القرآن العظيم (1/411). وانظر: تيسير الكريم الرحمن (ص 146).
5- أثار البلاد و أخبار العباد للقزوينى(في ذكر الاقليم السابع اهل البلغار )
6- التاريخ الاسلامى فيما بعد الخلفاء الراشدين ص 95 نقلا عن تاريخ بن خياط
إرسال تعليق