احذرو الفرقة يا شباب
كتب محمود قناوي
الفرقةو والاختلاف والتشرزم سب من أهم اسباب هزيمة الامة وانتكاستها وفشلها
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ*وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال. (45ــ46))
فبدون وحدة الصفّ لا يكون إلا الهزيمة والخسران وهذا ما رأيناه بالفعل لما اختلف الرُّماة فوق جبل الرماة "عينين" عندما أمر القائد– عبد الله بن جُبَيْر– تسعة وأربعين مسلمًا معه بتنفيذ أمر الرسول فاختلفوا وتنازعوا إلى أي الأمرين يَمْتَثِلون فحدث أن تنازعوا وعصوا فكان الانكسار من ناحيتهم، ولقد ذمّ الله منهم تلك الفرقة، فقال:{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(2-ال عمران (152)) وتجنبًا لذلك كان الأمر في الأنفال بالوحدة والاعتصام وعدم التنازع قال الله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال (46))
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَتَفَرَّقُوا «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالأُلْفَةِ وينهى عن الفرقة لأن الفرقة هلكة والجماعة نجاة»
وقال بن كثير رحمه الله اختصم رجلان إلى (طاووس) فقال لهما: اختلفتما فأكثرتما، فقال أحد الرجلين: لذلك خلقنا، فقال طاووس: كذبت، فقال: أليس الله يقول( وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) قال: لم يخلقهم ليختلفوا، ولكن خلقهم للجماعة والرحمة، كما قال الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب.( (تفسير ابن كثير: 4/291)
وقد أمر النيي صلي الله عليه وسلم المسلمين بالوحدة والاعتصام في اكثر من حديث
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا ثم شبك بين أصابعه»( متفق عليه)
قال الإمام النووي رحمه الله: هذا الحديث صريح في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه (شرح صحيح مسلم : 16/139)
يقول المناوي: المراد: بعض المؤمنين لبعض كالبنيان أي الحائط لا يتقوى في أمر دينه ودنياه إلا بمعونة أخيه كما أن بعض البنيان يُقوِّي ببعضه ثم شبك بين أصابعه تشبيهًا لتعاضد المؤمنين بعضهم ببعض كما أن البنيان المُمَسِّك بعضُه ببعض يشد بعضه بعضًا (بيض القدير : 6/252)
قال الشيخ احمد شاكر ( وإن أولَّ مقصد لازم ثم أجلَّه وأخطره توحيد كلمة المسلمين وجمع قلوبهم على غاية واحدة هي إعلاء كلمة الله وتوحيد صفوفهم في العمل لهذه الغاية ) وقد حذر النبي صلي الله عليه وسلم من الأمور التي تدفع للفرقه والاختلاف فعَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ(لاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ)( البُخَارِي\" 8/23(6065) وقال ابن تيمية -رحمه الله- : (وأمرنا الله تعالى بالاجتماع والائتلاف ونهانا عن التفرق والاختلاف)
قال ابن القيم: اتفاق الكلمة وعدم التنازع الذي يوجب الفشل والوهن، وهو جند يقوّي به المتنازعون عدوهم عليهم، فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام لا يستطيع أحد كسرها، فإذا فرقها وصار كل منهم وحده كسرها كلها ((الفروسية لابن القيم 506)
ويعلل سيد قطب الفشل الناتج عن التنازع بأنه اتباع الهوى، يقول: فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه، وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار، فإذا استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الأول الرئيسي للنزاع بينهم - مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة - فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصرّ عليها مهما تبين له وجه الحق فيها؛ وإنما هو وضع الذات في كفة، والحق في كفة، وترجيح الذات على الحق ابتداء(في ظلال القرآن، سيد قطب 3/1528-1529. ) ) ولقد أدرك أعداء الاسلام منذ قديم الازل أن الفرقة وتفتيت الصف من أقوي الاسلحة الفتاكة التي ما أستخدمت في جيش الا ابادته فسياسه فرق تسد ليست جديده بل هي من أقدم العصور فقد اتبعها الرومان في مصر في العهد الروماني حينما فرقو بين المصرين واليهود والبطالمه في مصر فانشغل المصريون بأنفسهم وغفلوا عن مقاومة عدوهم الروماني وقد تعلم الرومان هذه السياسة من فرعون لعنه الله قال تعالي (( إن فرعون علا في الارض وجعل أهلها شيعا )) قال مجاهد وجعل أهلها شيعا : فرقا ) . وذلك لأن فرعون فرق بين رعيته من المصريين وبين بني اسرائيل المقيمين بمصر فقرب حاشيته وأذل بني اسرائيل وأذاقهم الويلات (( يستضعفوا طائفة منهم يذبح ابنائهم ويستحي نسائهم إنه كان من المفسدين )) وبهذه السياسة إستطاع فرعون أن يسيطر علي مصر ويفعل في أهلها ما يشاء ولقد أدرك أعداء الإسلام أن الخلاف والتفرق من أقوي أسباب الهزيمة لذلك تجدهم يحرصون دائما علي بذر الخلاف بين المسلمين فعلي سبيل المثال ما قاله القاضي العلامة الكاتب الوزير أبو يحيى بن عاصم رحمه الله تعالى في كتابه جنة الرضى في التسليم لما قدر الله تعالى وقضى ما صورة محل الحاجة منه ومن استقرأ التواريخ المنصوصة وأخبار الملوك المقصوصة علم أن النصارى لم يدركوا في المسلمين ثأرا ولم يرحضوا عن أنفسهم عارا ولم يخربوا من الجزيرة منازل وديارا ولم يستولوا عليها بلادا جامعة وأمصارا إلا بعد تمكينهم لأسباب الخلاف وإجتهادهم في وقوع الإفتراق بين المسلمين والإختلاف وتضريبهم بالمكر والخديعة بين ملوك الجزيرة وتحريشهم بالكيد والخلابة بين حمايتها في الفتن المبيرة ومهما كانت الكلمة مؤتلفة والآراء لا مفترقة ولا مختلفة والعلماء بمعاناة إتفاق القلوب إلى الله مزدلفة فالحرب إذ ذاك سجال ولله تعالى في إقامة الجهاد في سبيله رجال وللممانعة في غرض المدافعة ميدان رحب ومجال ورؤية وإرتجال فكل يروم الرياسة لنفسه ويجر نارها لقرصه والنصارى يضربون بينهم بالخداع والمكر والكيد ويضربون عمرا منهم بزيد حتى تمكنوا من أخذ البلاد والاستيلاء على الطارف والتلاد (نفح الطيب))
وقال الحجاري في المسهب: إن موسى بن نصير نصره الله نصرا ما عليه مزيد، وأجفلت ملوك النصارى بين يديهن حتى خرج على باب الأندلس الذي في الجبل الحاجز بينها وبين الأرض الكبيرة، فاجتمعت الإفرنج إلى ملكها الأعظم قارله، وهذه سمة لملكهم، فقالت له: ما هذا الخزي الباقي في الإعقاب؟ كنا نسمع بالعرب ونخافهم من جهة مطلع الشمس، حتى أتوا من مغربها، واستولوا على بلاد الأندلس وعظيم ما فيها من العدة والعدد بجمعهم القليل،وقلة عدتهم، وكونهم لا دروع لهم، فقال لهم ما معناه: الرأي عندي أن لا تعترضوهم في خرجتهم هذه، فإنهم كالسيل يحمل من يصادره، وهم إقبال أمرهم، ولهم نيات تغني عن كثرة العدد،وقلوب تغني عن حصانة الدروع، ولكن أمهلوهم حتى تمتلئ أيديهم من الغنائم، ويتخذوا المساكن ويتنافسوا في الرياسة، ويستعين بعضهم ببعض ، فحينئذ تتمكنون منهم بأيسر أمر، قال: فكان والله(نفح الطيب (1/274))
إرسال تعليق