صمود حتى الموت
قال تعالي :
(واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله وكفي بالله شهيداً وأشهد أن لا إله إلا الله اقراراً به وتوحيد وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلي الله عليه وعلي آله وأصحابه تسليما مزيدا ، ثم أما بعد فإن كثيراً من أبناء الإسلام قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل نصرة هذا الدين فكان الواحد منهم لا يبخل بدمه وكل ما يملك في سبيل الله فهم قوم باعوا نفوسهم لله والله اشتري ( إن الله إشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ( (1) قوم فضل الموت الشريف علي الحياة في ذل قوم لم يحنوا جباههم إلا لخالقها وإن كلفهم ذلك رقابهم فهم قوم عاشوا أسوداً وماتوا وقوفاً، ولم يقبلوا الإنحناء إلا لرب الأرض والسماء . فما أجمل الإنحناء لله! وما أقبح الإنحناء لغيره سبحانه وتعالي !
هم قوم تنازلوا عن أرواحهم ولم يتنازلوا عن مبادئهم، قوم قهروا العدو بثباتهم وصمودهم ، فربما انتصر العدو علي أبدانهم لكنه لم ينتصر علي عقائدهم الممزوجة بدمائهم ، هم قوم وقف العدو عاجزا بكل عدده وعدته أمام صمودهم ، وثباتهم .. إنهم حقا أحفاد الصحابة الميامين وأتباع سيد المرسلين إنهم المسلمون الصادقون المخلصون العاملون الذين سقطوا من الذاكرة في هذا الزمان الذي أصبح فيه البطل هو لاعب الكرة والممثل والمغني والراقصة وإنا لله وإنا إليه راجعون ؛ لذلك قمت في هذا الكتاب بجمع بعض قصصهم ليسير من أراد الهداية علي إثرهم{ لقد كان في قصصهم عبرة} (2)
فتشبهوا بالرجال إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالرجال فلاح
ولقد اعتمدت في بحثي هذا علي المراجع التاريخية وكذلك أخذت بعض المواضيع من منتديات إسلامية أسأل الله عزوجل المغفرة لمن كتبها ...
ولم أعتمد في بحثي هذا علي تاريخ دوله بعينها ، اوفتره معينة ولكنه بحث عن تاريخ أبطال الإسلام أينما وجدوا وفي أي وقت وفي أي مكان فجئت بقصص لأبطال الإسلام من الماضي ومن الحاضر من الشرق، ومن الغرب من العرب، ومن العجم .
أخي الحبيب إعلم أن أكمل الكتب هو كتاب الله عز وجل (( ذلك الكتاب لا ريب فيه )) أما كلام البشر فلكل جواد كبوة.
فإن تجد عيبا فسد الخــــــــلال ...جل من لا عيـب فيه وعـــــلا.
يا ناظراً منعماً فيما جمعت وقد ... أضحــى يردد في أثنائه النظرا
سألتك الله إن عاينت مــن خطـــــإ ... فاستر علي، فخير الناس من سترا
وقد قسمت هذا البحث الي فصلين الفصل الأول ذكرت فيه قصص لأبطال من الماضي العظيم والفصل الثاني ذكرت فيه قصص لأبطال من الحاضر المشرق ..
وفي النهايه أرجو من الله تعالي قبول هذا العمل المتواضع الذي إن قبل مني فذلك فضل من الحق إلي عبد لا يستحق ذلك إلا برحمة مولاه ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء )) وإن رده الله علي وجهي فذلك لسوء نيتي وقبح سريرتي وما أبرء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي .. (( ربنا تقبل منا أنك أنت السميع العليم ))(3) (( ربنا لا تأخذنا ان نسينا أو اخطأنا ))(4)
****************************************
الفصل الأول
أبطال من الماضي العظيم
لماذا بذلوا أرواحهم رخيصة ؟؟
قبل أن نبدأ في سرد قصص الأبطال يتبادر إلي الذهن سؤال هام وهو لماذا بذل السلف أرواحهم رخيصة في سبيل الله ؟ لماذا فضلوا الموت علي الحياة واختاروا الموت في عزة عن العيش في ذل ؟ الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال الهام هو أن تعلم أن السبب الرئيسي في حب السلف للشهادة بعد الإيمان بالله جل وعلا هو؛ علمهم بفضل الشهادة في سبيل الله
فالشهادة فضل عظيم ذكره الله عزوجل في كتابه وذكرها النبي صلي الله عليه وسلم في سنته
قال تعالي "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياءٌعند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع اجر المؤمنين"(1) وعن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي قال " إذا التقى الصفان أهبط الله الحور العين إلى السماء الدنيا فإذا رأين الرجل يرضين مقدمه قلن اللهم ثبته فإن نكص احتجبن منه وإن هو قتل نزلن إليه فمسحن عن وجهه التراب، وقلن اللهم عفر من عفره ،وترب من تربه"(2) وعن أنس بن مالك قال :" غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أو قيد أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأت الأرض طيباً ولنصيفها خير من الدنيا وما فيها"(3)
وعن الأوزاعي قال حدثني المطلب بن حنطب قال : "أن للشهيد غرفة كما بين صنعاء والجابية أعلاها الدر والياقوت وجوفها المسك والكافور قال فتدخل عليه الملائكة بهدية من ربه تبارك وتعالى فما تخرج حتى يدخل عليه ملائكة آخرون من باب آخر بهدية من ربهم(4)
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا ولها الدنيا وما فيها إلا الشهيد لما يرى من فضل للشهادة فيتمنى أن يرجع فيقتل مرة أخرى"(5)وعن قتادة قال سمعت أنس بن مالك يحدث عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وإن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل عشر مرات(6)
*********************************
1- ال عمران 169 2- اسناده صحيح علي شرط مسلم 5- رواه البخاري ومسلم واحمد في مسنده
3- رواه البخاري ومسلم 6- رواه البخاري في الجهاد ومسلم
4- موقوف إسناده مقبول
وعن جرير بن حازم قال سمعت الحسن يقول :" لما حضر الناس باب عمر وفيهم سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب وتلك الشيوخ من قريش فخرج آذنه فجعل يأذن لأهل بدر لصهيب وبلال وأهل بدر وكان والله بدريا، وكان يحبهم وكان قد أوصى بهم فقال أبو سفيان ما رأيت كاليوم قط انه يؤذن لهذه العبيد، ونحن جلوس لا يلتفت إلينا فقال سهيل بن عمرو ويا له من رجل ما كان أعقله أيها القوم إني والله لقد أرى الذي في وجوهكم فإن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم دعي القوم ودعيتم فأسرعوا وأبطأتم ،أما والله لما سبقوكم به من الفضل فيما لا ترون أشد عليكم فوتا من بابكم هذا الذي تنافسونهم عليه ثم قال أيها القوم إن هؤلاء القوم قد سبقوكم بما ترون فلا سبيل لكم والله إلى ما سبقوكم إليه وانظروا هذا الجهاد فألزموه عسى أن يرزقكم شهادة ثم نفض ثوبه فلحق بالشام فقال الحسن صدق والله لا يجعل الله عبداً أسرع إليه كعبد أبطأ عنه"(1)
عن فضالة بن عبيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ": كل ميت يختم على عمله الذي مات عليه إلا المرابط في سبيل الله عز و جل فإنه ينمو له عمله الى يوم القيامة ويأمن من فتنة القبر"(2)
و عن عبادة بن الصامت قال : "ليس من رجل يخرج نفسه إلا رأى منزله قبل أن يخرج نفسه غير المرابط يجري عليه أجره أو قال رزقه ما كان مرابطا(3)
و عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :" يوشك أن يأتي على الناس زمان خير الناس فيه منزلاً رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة استوى على فرسه ثم طلب الموت مظنه ورجل في غنيمة في شعب من هذه الشعاب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل الناس إلا من خير حتى يأتيه الموت"(4)
و عن عبد الله بن عمرو قال :" لأن أبيت حارسا وخائفا في سبيل الله عز و جل أحب إلي من أن أتصدق بمائة راحلة "(5)
************************************
1- مرسل اخرجه البخاري في التاريخ الكبير
2-اسناده صحيح
3- اسناد رجاله ثقات موقوف
4- صحيح الجامع 5791
5- اسناد رجاله موثوقون غير انه موقوف
و عن عبد الله بن عمرو قال : "غزوة في البحر أحب إلي من قنطار متقبلا" (1)
و عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس قال "سمعت أبي يقول وهو بحضرة العدو قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف فقام رجل رث الهيئة فقال يا أبا موسى أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوله ؟قال: نعم قال فجاء إلى أصحابه فقال أقرأ عليكم السلام ثم كسر جفن سيفه فألقاه ثم مضى بسيفه قدما يضرب به حتى قتل"(2)
ولفضل الشهادة في سبيل الله تسابق السلف لنيلها
فعن إبراهيم بن حنظلة عن أبيه :" أن سالم مولى أبي حذيفة قيل له يومئذ في اللواء أي تحفظ به فقال غيره تخشن من نفسك شيئا فتولي اللواء غيرك فقال بئس حامل القرآن أنا إذا فقطعت يمينه فأخذ اللوى بيساره فقطعت يساره فاعتنق اللواء وهو يقول وما محمد إلا رسول وكأي من نبي قاتل معه ربيون كثيرفلما صرع قيل لأصحابه ما فعل أبوحذيفة قيل. قتل قال: فما فعل فلان لرجل قد سماه؟ قيل. قتل، قال: فاضجعوني بينهما"(3)
وعن ثابت البناني :" أن عكرمة بن أبي جهل ترجل يوم كذا فقال له خالد بن الوليد لا تفعل فإن قتلك على المسلمين شديد قال خل عني يا خالد فإنه قد كان لك مع رسول الله صلى الله عليه و سلم سابقة وإني وأبي كنا من أشد الناس على رسول الله فمشى حتى قتل"(4)(5)
وبعد أن عرفت سبب حب السلف للشهادة إليك بعض من قصص السلف الصالح الذين ثبتوا علي الحق وفضلوا الموت علي الحياة .....
************************
1-صحيح الجامع 4154
2-اسناده صحيح اخرجه مسلم
3-اسناد رجاله ثقات
4- اسناده علي شرط مسلم
5- قصص فضل الشهادة مصدرها كتاب "الجهاد لابن المبارك "
إرسال تعليق