-حب الزعامة والرياسة
قال تعالي (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) [القصص: 83] بينت الآية الكريمة أن الذين يريدون العلو في الأرض والفساد ليس لهم في الآخرة حظ ولا نصيب
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على الشرف والمال لدينه)(1)
بـيـن النبي صلي الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الفـســــاد الحاصل للعبد من جراء حرصه على المال والشرف: أشد من الفساد الحاصل للغنم التي غاب عنها رعاتها ليلاً، وأُرسل فيها ذئبان جائعان يفترسان ويأكلان، وإذا كان لا ينجو من الغنم إلا القليل منها؛ فإن الحريص على المال والشرف لا يكاد يسلم له دينه. وقد حذرنا السلف من خطورة طلب الرياسة فقد أخرج الخطيب في الجامع(1/321) بسنده إلى أبي إسحاق الفزاري قال: قال لي سفيان الثوري:( تحب الرئاسة؟ تهيأ للنطاح و كان يقول: من طلب الرئاسة وقع في الدياسة) ومعنى وقع في الدياسة: أي وقع في الذل والهوان، ويقال: داس فلانا دياسة أذله ووطئه برجله. والمراد أن من طلب الرئاسة داس على رقاب الناس،
والرياسة لا تعني حكم الناس والتسلط عليهم فقط ولكن تعني ايضا حب تملك القلوب وهذا النوع غالبا ما يحدث بين المنتسبين للصحوة الاسلامية اذ يحب كل واحد منهم ان تميل القلوب اليه وتتعلق به الامال ويعمل الجميع من خلالة ولا يتسع صدره لمن خالف رأيه أو انقاد لغيره أو أفتى بخلاف مذهبه الا ما رحم الله ولا نزكي على الله أحدا
قال فضيل بن عياض: (ما أحب أحد الرئاسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير) وهنا مكمن الخطر فان من طلب الرياسة ولو كان عالما عابدا قانتا لا بد أن يتتبع عورات الناس ويفتش عن عيوبهم
قال ابن عبد البر:
حب الرئاسة داء يحلق الدنيا**ويجعل الحق حربا للمحبينا.
يفري الحلاقيم والأرحام يقطعها**فلا مروءة تبقى ولا دينا.
من دان بالجهل أو قبل الرسوخ**فما تلفيه إلا عدوا للمحقينا.
يشنئ العلوم ويقلي أهلها حسدا**ضاهى بذلك أعداء النبيينا.
وحب الرياسة شهوة خفية
قال عبد الله بن عبد الرحمن الزهري يقول سمعت أبا بكر بن أبي داود يقول سمعت أبي يقول (الشهوة الخفية حب الرياسة)(2) نعم حب الرياسة شهوة خفية والمحب للرياسة لا يتورع عن السب والشتم لمن خالفه بل وسفك الدماء ان لزم الامر
ألا يا قبح الله شهوة أبيع بها ديني!! وأعق بها سلفي !! وأهين بها نفسي .!! وأهدم شرفي ..!! وأغضب بها ربي !! وأسب من أجلها علمائي !!وتذل بشؤمها قدمي
قال الشاعر
( العز عاقبة التقى ** والذل عاقبة الرياسة )
( فإذا اتقيت علوت في ** أهل المجادة والنفاسة )
( وإذا رأست نزلت في ** طرق التخلق والسياسة )
( فلتختر التقوى ولا ** ترأس فتخطيك الكياسة)
وحب الرئاسة له آثار وخيمة فهي سبب الهلاك
منها أن يسلط الله على محب الرياسة من يؤذيه لسوء نيته وقبح سريرته
قال الإمام الذهبي: (فكم من رجل نطق بالـحــــق وأمر بالـمـعــروف، فيسلط الله عليه من يؤذيه لسوء قصده، وحبه للرئاسة الدينية)(3) قال أبو نعيم: (والله ما هلك من هلك إلا بحب الرئاسة)
***********************
1- ( رواه أحمد، ج3، ص 456، 460، وانظر: صحيح الجامع، ح/5620،).
2- المنتظم - (ج 5 / ص 98)
3-( السير، ج 18، ص 191، 192.).
إرسال تعليق