التعصب المذهبي
التعصب منشأه شدة الحب من غير ضابط
فرط حب الشيء يعمي ويصم ** فليكن حبك قصدا لا يصم
نقص عقل أن يغطي حسك الحب ** أويلهيك عن أمر مهم
وقال آخر
حبك الشيء يغطي قبحه ** فتراه حسنا في كل حال
لا يرى المحبوب إلا حسنا ** كان قبح فيه مع ذا أو جمال
حتم الحب على ذي الحب أن ** لا يرى المحبوب إلا في كمال
لا شك في أن التعصب الاعمى للشيخ أوللعالم أو للجماعة دون الدليل مصيبة ابتلينا بها منذ القدم فبعض الناس يجعلون كلام شيوخهم فوق كلام ربهم فان قلت لاحدهم قال الله تعالى قال لك قال الشيخ فلان وان قلت قال رسول الله صل الله عليه وسلم قال راي الشيخ الفولاني والي الله المشتكى
ان كثيرا من الشباب اليوم يتعصبون تعصبا أعمى لشيوخهم ويقدحون فيمن خالف مذهبهم من العلماء بحجة الجرح والتعديل بل قد يفسقون العلماء و يكفرونهم وينكرون فضل العالم وقل ان يسلم منهم احد حتي لو كان في العلم والفضل كشيخ الإسلام بن تيمية الذي كفره بعض المتعصبين المتبعين لأهوائهم قال صاحب كتاب الردالوافر
(وجمهور النقاد وأئمة أهل الإسناد كلامهم منقسم في الجرح والتعديل إلى قوى ومتوسط وكلام فيه تسهيل وفي عصرنا هذا الذي قل فيه من يدري هذا الفن أو يرويه أو يحقق تراجم من رأى من أهل مصره فضلا عمن لم يره أو مات قبل عصره قد نطق فيه من لا خبرة له بتراجم الرجال ولا عبرة له فيما تقلده من سوء المقال ولا فكرة له فيما تطرق به إلى تكفير خلق من الاعلام بأن قال من سمى ابن تيمية شيخ الاسلام كان كافرا لا تصح الصلاة وراءه وهذا القول الشنيع الذي نرجو من الله العظيم أن يعجل لقائله جزاه قد ابان قدر قائله في الفهم وأفصح عن مبلغه من العلم وكشف عن محله من الهوى ووصف كيف اتباعه لسبيل الهدى ولا يرد بأكثر من روايته عنه ونسبته إليه فكلام الإنسان عنوان عقله يدل عليه(1)
وقال الإمام تاج الدين السبكي صاحب الطبقات المشهورة: إن أهل التاريخ ربما وضعوا من أناس ورفعوا أناسا إما لتعصب، أو لجهل، أو لمجرد اعتماد على نقل من لا يوثق به أو غير ذلك من الأسباب: والجهل في المؤرخين أكثر منه في أهل الجرح والتعديل، وكذلك التعصب، قل أن رأيت تاريخا خاليا من ذلك.
والرأي عندنا (السبكي) أن لا يقبل مدح، ولا ذم من المؤرخين إلا بما اشترطه إمام الائمة - والده - حيث قال: يشترط في المؤرخ :
1- الصدق.
2 - إذا نقل يعتمد اللفظ دون المعنى.
3 - وأن يكون ذلك الذي نقله أخذه في المذاكرة، وكتبه بعد ذلك.
4 - وأن يسمي المنقول عنه فهذه شروط أربعة فيما ينقله.
***************************
1- الرد الوافر - (ج 1 / ص 21)
ويشترط فيه أيضا: لما يترجمه من عند نفسه، ولما عساه يطول في التراجم من النقول ويقصر.
1 - أن يكون عارفا بحال الترجمة، علما ودينا وغيرهما من الصفات.
2 - أن يكون حسن العبارة، عارفا بمدلولات الألفاظ.
3 - أن يكون حسن التصور، حتى يتصور حال ترجمته جميع حال ذلك الشخص ويعبر عنه بعبارة لا تزيد عله، ولا تنقص عنه.
4 - أن لا يغلبه الهوى، فيخيل إليه هواه الاطناب في مدح من يحبه، والتقصير في غيره.
بل إما إن يكون مجردا عن الهوى هو عزيز.
وإما أن يكون عنده من العدل ما يقهر به هواه، ويسلك طريق الانصاف.
وأصعب هذه الشروط الاطلاع على حال الشخص في العلم، فإنه يحتاج إلى المشاركة في علمه والقرب منه حتى يعرف مرتبته (1).
فإذا نظرنا في كلام من ذكر وأشير إليه رأينا كلا منهم يعتمد في الجرح والتعديل عليه ولم نر أحدا منهم عمد إلى إمام جليل ثقة نبيل رماه عن الإسلام بالتحويل ولا أفصح بكفره تصريحا ولا حكم عليه بعد موته بالكفر تجريحا حاشا أئمة هذه السنة من الميل عن سنن الهدى أو الانحراف إلى قلة الانصاف باتباع الهوى لكن بعض الأعيان تكلم في بعض الأقران مثل كلام أبي نعيم في ابن منده وابن منده فيه فلا نتخذ كلامهما في ذلك عمدة بل ولا نحكيه لأن الناقد إذا بحث عن سبب الكلام في مثل ذلك وانتقد رآه إما لعداوة أو لمذهب أو لحسد وقل أن يسلم عصر بعد تلك القرون الثلاثة من هذه المهالك ومن نظر في التاريخ الاسلامي فضلا عن غيره حقق ذلك وما وقع منه في الأغلب كان سببه المذهب
ولقد قال إمام الجرح والتعديل والمعتمد عليه في المدح والقدح أبو عبد الله محمد ابن الذهبي فيما وجدته بخطه(2)
ولا ريب أن بعض علماء النظر بالغوا في النفي والرد والتحريف والتنزيه بزعمهم حتى وقعوا في بدعة أو نعت الباري بنعوت المعدوم كما أن جماعة من علماء الأثر بالغوا في الاثبات وقبول الضعيف والمنكر ولهجوا بالسنة والاتباع فحصل الشغب ووقعت البغضاء وبدع هذا هذا وكفر هذا هذا ونعوذ بالله من الهوى والمراء في الدين وأن نكفر مسلما موحدا بلازم قوله وهو يفر من ذلك اللازم وينزه ويعظم الرب انتهى قول الذهبي(3)
*******************
1- الردالوافر نقلا عن السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 1: 194.
2- الرد الوافر - (ج 1 / ص 19)
3- الرد الوافر - (ج 1 / ص 20)
والتعصب المذهبى قد يقع من بعض أهل العلم والفضل فهم يصيبون ويخطئون قال
إسماعيل بن أبي الفضل القومسي وكان من اهل المعرفة بالحديث يقول ثلاثة من الحافظ لا أحبهم لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم الحاكم أبو عبد الله وأبو نعيم الأصبهاني وأبو بكر الخطيب قال المصنف لقد صدق اسماعيل (1)
وقال بن الجوزي وهو يدافع عن الحسن بن علي المعروف بابن المذهب
وقد كان في الخطيب شيئان أحدهما الجرى على عادة عوام المحدثين من قبله من قلة الفقه والثاني التعصب في المذهب ونحن نسأل الله السلامة(2)
و قال الشيخ عز الدين : ولما ولي الشيخ ركن الدين التدريس قال : لأذكرن لكم في التفسير ما لم تسمعوه ، فعمل درسا حافلا فاتفق أنه وقع منه شيء فبادر جماعة وتعصبوا عليه وكفروه ، فبادر إلى السراج الهندي وكان قد استنابه في الحكم فادعى عليه عنده وحكم بإسلامه ، فاتفق أنه بعده حضر درس السراج الهندي ووقع من السراج شيء فبادر الركن وقال : هذا كفر ، فضحك السراج حتى استلقى وقال : يا شيخ ركن الدين تكفر من حكم بإسلامك قال : فأخجله(3)
وأخيرا أقول : يجب ألا نتعصب لشيخ ولا لعالم ولكن نتعصب للحق نتعصب للدليل الشرعي ويجب ان لا ننسى فضل العلماء إن خالفناهم في مسألة بل حتى ولو في ألف مسألة
قال الفقيه الحسن بن أبي بكر النيسابوري وكان من أصحاب أبي حنيفة قال
ما ثم غير أبي حنيفة ... والمديح له يجل
وفقيه طيبة مالك ... طود له زهد وفضل
وفتى ابن حنبل والحديث عن ابن حنبل ما يمل
والشافعي ومن له من بعد من قدمت مثل
فهم ادلتنا ومن ... يهدي بغيرهم يضل
كنا نعد خلافهم ... صلحا وندرسه ونتلو
حتى بلينا بالخلا ... ف وزاد في الشطرنج بغل
والجنس يضبط في البها ... ئم أصلها والبغل بغل (4)
قال عيسى بن احمد بن عثمان الهمذانى كان عبد العزيز الداركى - وهومن وانتهت رياسة أصحاب الشافعى- إذا جاءته مسألة تفكر طويلا ثم أفتى فيها فربما كانت فتواه خلاف مذهب الشافعى وأبى حنيفة فيقال له فى ذلك فيقول ويحكم حدث فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بكذا وكذا والأخذ بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أولى من الأخذ بقول الشافعى وأبى حنيفة إذا خالفاه(5)
*********************
1- المنتظم - (ج 8 / ص 269)
2- المنتظم - (ج 8 / ص 155)
3-انباء الغمر في حوادث سنة 782
4- المنتظم - (ج 10 / ص 106)
5-المنتظم - (ج 7 / ص 129
إرسال تعليق